وَمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الشَّيْءِ آخِرُهُ
بِثَلَاثٍ فَقَنَتَ فِيهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ الْعَبَّاسِ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَيَجْعَلُ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ» وَقَوْلُ أَبِي نُعَيْمٍ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ حَبِيبٍ، وَالْعَلَاءُ تَفَرَّدَ بِهِ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ إلَّا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ لَا يُوجِبُ الْبُعْدَ لِمَا قُلْنَا فِي كَلَامِ النَّسَائِيّ، بَلْ قَدْ حَصَلَ مِنْ انْفِرَادِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُبَيْدٍ، وَمِنْ تَفَرُّدِ عَطَاءِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعَلَاءِ، وَمِنْ تَفَرُّدِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي سَكَتَ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ تَظَافَرَ كَثِيرٌ مَعَ أَنَّ كُلَّ طَرِيقٍ مِنْهَا إمَّا حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ.
وَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ ﷺ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ» فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ شَهْرًا فَقَطْ بِدَلِيلِ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ «عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ، فَقُلْتُ: أَكَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ قَبْلَهُ، قُلْتُ: فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَهُ، قَالَ كَذَبَ، إنَّمَا قَنَتَ ﷺ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا» انْتَهَى وَعَاصِمٌ كَانَ ثِقَةً جِدًّا وَلَا مُعَارَضَةَ مُحَتَّمَةٌ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ أَنَسٍ، بَلْ هَذِهِ تَصْلُحُ مُفَسِّرَةً لِلْمُرَادِ بِمَرْوِيِّهِمْ أَنَّهُ قَنَتَ بَعْدَهُ، وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرِهِمْ كَانَ عَلَى وَفْقِ مَا قُلْنَا: قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ.
وَلَمَّا تَرَجَّحَ ذَلِكَ خَرَجَ مَا بَعْدَ الرُّكُوعِ مَعَ كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلْقُنُوتِ، فَلِذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ فَتَذَّكَّرَهُ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ لَا يَقْنُتُ، وَلَوْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَا يَقْنُتُ، وَالْأُخْرَى يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَقْنُتُ. وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْنُتُ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَنَتَ وَلَمْ يُعِدْ الرُّكُوعَ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ رُكُوعَهُ قَائِمٌ لَمْ يَرْتَفِضْ. وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي رِوَايَةٍ: يَعُودُ وَيَقْنُتُ وَلَا يُعِيدُ الرُّكُوعَ وَعَلَيْهِ السَّهْوُ قَنَتَ أَوْ لَمْ يَقْنُتْ، وَهَذَا يُحَقِّقُ خُرُوجَ الْقَوْمَةِ عَنْ الْمَحَلِّيَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَّا إذَا اقْتَدَى بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يُتَابِعُهُ اتِّفَاقًا، أَمَّا لَوْ نَسِيَ السُّورَةَ وَالْقُنُوتَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَعُودُ إذَا تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ فَيَقْرَؤُهُمَا وَيَرْتَفِضُ الرُّكُوعَ، فَلَوْ لَمْ يَرْكَعْ بَطَلَتْ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقَ بِرَكْعَتَيْنِ إذَا قَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ لَا يَقْنُتُ مَرَّةً أُخْرَى. وَعَنْ أَبِي الْفَضْلِ تَسْوِيَتُهُ بِالشَّاكِّ وَسَيَأْتِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ، وَلَوْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ فَرَكَعَ وَهُوَ لَمْ يَفْرُغْ يُتَابِعُهُ، وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ وَلَمْ يَقْرَأْ الْمَأْمُومُ مِنْهُ شَيْئًا إنْ خَافَ فَوْتَ الرُّكُوعِ يَرْكَعُ وَإِلَّا قَنَتَ ثُمَّ رَكَعَ. الْخِلَافِيَّةُ الثَّانِيَةُ لَهُ فِيهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَنَّ عُمَرَ ﵁ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً مِنْ الشَّهْرِ: يَعْنِي رَمَضَانَ وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إلَّا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، فَإِذَا كَانَ الْعَشَرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ.
وَلِلْمَتْنِ طَرِيقٌ آخَرُ ضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ، وَمَا أَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ عَنْ أَنَسٍ «كَانَ ﷺ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ» إلَخْ ضَعِيفٌ بِأَبِي عَاتِكَةَ، وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَعَ أَنَّ الْقُنُوتَ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ يَحْتَمِلُ كَوْنُهُ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ تَخْصِيصًا لِلنِّصْفِ الْأَخِيرِ بِزِيَادَةِ الِاجْتِهَادِ، فَهَذَا الْمَعْنَى يَمْنَعُ تَبَادُرَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ بِخُصُوصِهِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ «قَوْلِهِ ﷺ لِلْحَسَنِ اجْعَلْهُ فِي وِتْرِكَ» وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ. وَالْمَعْرُوفُ مَا أَخْرَجُوهُ فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute