فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ «لِقَوْلِهِ ﵊
اللَّهِ ﷺ، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَمَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ.
وَحَدِيثُ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ. تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ» وَفِي هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافِنَا بِالْجَمْعِ خِلَافُ الْمَنْقُولِ، لَكِنَّهُمْ لَفَقُّوهُ مِنْ حَدِيثٍ فِي حَقِّ الْإِمَامِ عَامٍّ لَا يَخُصُّ الْقُنُوتَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ إمَامٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ مُنْفَرِدًا لِيَحْفَظَهُ الرَّاوِي مِنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ يُفِيدُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ: إنَّهُ رُوِيَ: يَعْنِي الْقُنُوتَ فِي الْفَجْرِ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ مِثْلِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَأَنَسٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَعَائِشَةَ ﵃، وَقَالَ: ذَهَبَ إلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ.
وَالْجَوَابُ أَوَّلًا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الَّذِي هُوَ النَّصُّ فِي مَطْلُوبِهِمْ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِعَبْدِ اللَّهِ هَذَا، ثُمَّ نَقُولُ فِي دَفْعِ مَا قَبْلَهُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ قَرِيبًا تَمَسُّكًا بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «لَمْ يَقْنُتْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الصُّبْحِ إلَّا شَهْرًا ثُمَّ تَرَكَهُ لَمْ يَقْنُتْ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ».
وَأَعَلُّوهُ بِالْقَصَّابِ، تَرَكَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ وَأَبُو حَاتِمٍ. وَحَاصِلُ تَضْعِيفُهُمَا إيَّاهُ أَنَّهُ كَانَ كُثَيِّرٌ الْوَهْمِ، فَلَا يَكُونُ حَدِيثُهُ رَافِعًا لِحُكْمٍ ثَابِتٍ بِالْقَوِيِّ، قُلْنَا بِمِثْلِ هَذَا ضَعَّفَ جَمَاعَةٌ أَبَا جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ فِيهِ: كَانَ يَخْلِطُ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: كَانَ يُخْطِئُ، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: كَانَ يَهِمُ كَثِيرًا، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنْ الْمَشَاهِيرِ فَكَافَأَهُ الْقَصَّابُ، ثُمَّ يُقَوِّي ظَنَّ ثُبُوتِ مَا رَوَاهُ الْقَصَّابُ بِأَنَّ شَبَابَةَ رَوَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ «عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْنَا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁: إنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ بِالْفَجْرِ، فَقَالَ: كَذَبُوا إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْمُشْرِكِينَ».
فَهَذَا عَنْ أَنَسٍ صَرِيحٌ فِي مُنَاقَضَةِ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَفِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَقَيْسٌ هَذَا وَإِنْ كَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ فَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُهُ، وَلَيْسَ بِدُونِ أَبِي جَعْفَرٍ بَلْ مِثْلِهِ أَوْ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَإِنَّ الَّذِينَ ضَعَّفُوا أَبَا جَعْفَرٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ ضَعَّفَ قَيْسًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ تَضْعِيفُ قَيْسٍ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ، وَذَكَرَ سَبَبَ تَضْعِيفِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: سَأَلْت يَحْيَى عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ ضَعِيفٌ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ فَإِنَّهُ يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدَةَ وَهُوَ عِنْدَهُ عَنْ مَنْصُورٍ.
وَهَذَا لَا يُوجِبُ رَدَّ حَدِيثِهِ إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ غَلَطٌ فِي ذِكْرِ عُبَيْدَةَ بَدَلَ مَنْصُورٍ، وَمَنْ سَلِمَ مِنْ مِثْلِ هَذَا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ؟ كَذَا قِيلَ. وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ يَحْيَى، قَالَ النَّسَائِيّ مَتْرُوكٌ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ وَلَهُ أَحَادِيثُ مُنْكَرَةٌ، وَكَانَ وَكِيعٌ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ يُضَعِّفَانِهِ.
وَتَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، لَكِنْ كَانَ شُعْبَةُ يُثْنِي عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ: مَنْ يَعْذُرُنِي مِنْ يَحْيَى لَا يُرْضِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute