اجْعَلْ هَذَا فِي وِتْرِك» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ (وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) مِنْ الْوِتْرِ (فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى
لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِقَوْمٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ».
وَهُوَ سَنَدٌ صَحِيحٌ، فَلَزِمَ أَنَّ مُرَادَهُ مَا قُلْنَا، أَوْ بَقَاءُ قُنُوتِ النَّوَازِلِ لِأَنَّ قُنُوتَهُ الَّذِي رَوَاهُ كَانَ كَقُنُوتِ النَّوَازِلِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الْقُنُوتُ سُنَّةً رَاتِبَةً جَهْرِيَّةً وَقَدْ صَحَّ حَدِيثُ «أَبِي مَالِكٍ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ، وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ، ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إنَّهَا بِدْعَةٌ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ وَلَفْظُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ «أَبِي مَالِكٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي يَا أَبَتِ إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ» وَهُوَ أَيْضًا يَنْفِي قَوْلَ الْحَازِمِيِّ فِي أَنَّ الْقُنُوتَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، وَقَوْلُهُ إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ حَافِظٍ آخَرَ إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى عَدَمِهِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ وَأَخْرَجَ " عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمَّا قَنَتَ فِي الصُّبْحِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ " فَقَالَ اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا، وَفِيهِ زِيَادَةٌ أَنَّهُ كَانَ مُنْكَرًا عِنْدَ النَّاسِ وَلَيْسَ النَّاسُ إذْ ذَاكَ إلَّا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَقْنُتُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ. وَأَخْرَجَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ مَا شَهِدْت وَمَا عَلِمْت، وَمَا أَسْنَدَ الْحَازِمِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْقُنُوتِ فَقَالَ: أَمَا إنَّهُ قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ كَبِرْنَا وَنَسِينَا ائْتُوا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَاسْأَلُوهُ، مَدْفُوعٌ بِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْنُتْ بِمَا صَحَّ عَنْهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ صَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَنَتَيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فَلَمْ يَرَهُ قَانِتًا فِي الْفَجْرِ. وَهَذَا سَنَدٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَنِسْبَةُ ابْنَ عُمَرَ إلَى النِّسْيَانِ فِي مِثْلِ هَذَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، وَإِنَّمَا يَقْرُبُ ادِّعَاؤُهُ فِي الْأُمُورِ الَّتِي تُسْمَعُ وَتُحْفَظُ أَوْ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُفْعَلُ أَحْيَانًا فِي الْعُمْرِ، أَمَّا فِعْلٌ يَقْصِدُ الْإِنْسَانُ إلَى فِعْلِهِ كُلَّ غَدَاةٍ مَعَ خَلْقٍ كُلُّهُمْ يَفْعَلُهُ ثُمَّ مِنْ صُبْحٍ إلَى صُبْحٍ يَنْسَاهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَقُولُ مَا شَهِدْت وَلَا عَلِمْت وَيَتْرُكُهُ مَعَ أَنَّهُ يُصْبِحُ فَيَرَى غَيْرَهُ يَفْعَلُهُ فَلَا يَتَذَكَّرُ فَلَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute