﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْنُتَ كَبَّرَ) لِأَنَّ الْحَالَةَ قَدْ اخْتَلَفَتْ (وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَنَتَ) لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَذَكَرَ مِنْهَا الْقُنُوتَ (وَلَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ فِي الْفَجْرِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ «﵁ أَنَّهُ ﵊ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ شَهْرًا»
مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْعَقْلِ.
وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ إلَى هُنَا انْقَطَعَ بِأَنَّ الْقُنُوتَ لَمْ يَكُنْ سُنَّةً رَاتِبَةً، إذْ لَوْ كَانَ رَاتِبَةً يَفْعَلُهُ ﷺ كُلَّ صُبْحٍ يَجْهَرُ بِهِ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ يُسِرُّ بِهِ كَمَا قَالَ مَالِكٌ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَتَحَقَّقْ بِهَذَا الِاخْتِلَافِ، بَلْ كَانَ سَبِيلُهُ أَنْ يُنْقَلَ كَنَقْلِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ وَمُخَافَتَتِهَا وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، فَإِنَّ مُوَاظَبَتَهُ عَلَى وُقُوفِهِ بَعْدَ فَرَاغِ جَهْرِ الْقِرَاءَةِ زَمَانًا سَاكِتًا فِيمَا يَظْهَرُ كَقَوْلِ مَالِكٍ مِمَّا يُدْرِكُهُ مَنْ خَلْفَهُ وَتَتَوَفَّرُ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِ أَنَّ ذَلِكَ لِمَاذَا، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ فِي تَوْجِيهِ نِسْبَةِ سَعِيدٍ النِّسْيَانَ لِابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ أَنْ يُرَادُ قُنُوتُ النَّازِلَةِ، فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵁ نَفَى الْقُنُوتَ مُطْلَقًا، فَقَالَ سَعِيدٌ: قَنَتَ مَعَ أَبِيهِ: يَعْنِي فِي النَّازِلَةِ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُوَاظَبُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ لُزُومِ سَبَبِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ ﵁ أَنَّهُ قَنَتَ عِنْدَ مُحَارَبَةِ الصَّحَابَةِ مُسَيْلِمَةَ وَعِنْدَ مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ وَكَذَا عَلِيٌّ فِي مُحَارَبَةِ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ فِي مُحَارَبَتِهِ، إلَّا أَنَّ هَذَا يُنْشِئُ لَنَا أَنَّ الْقُنُوتَ لِلنَّازِلَةِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ.
وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَنَسٍ «مَا زَالَ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» أَيْ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ تَقَرُّرَهُ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute