عِنْدَنَا، كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ
تَعَالَى فَقَطْ أَوْ نَوَى الْمَنْدُوبَ بِالْأَرْبَعِ أَوْ السُّنَّةَ بِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْمُحَقِّقِينَ وُقُوعُ السُّنَّةِ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ لِمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِهِ سُنَّةً كَوْنُهُ مَفْعُولًا لِلنَّبِيِّ ﷺ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ، وَهَذَا الِاسْمُ: أَعْنِي اسْمَ السُّنَّةِ حَادِثٌ مِنَّا، أَمَّا هُوَ ﷺ فَإِنَّمَا كَانَ يَنْوِي الصَّلَاةَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَطْ لَا السُّنَّةَ، فَلَمَّا وَاظَبَ ﷺ عَلَى الْفِعْلِ لِذَلِكَ سَمَّيْنَاهُ سُنَّةً، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي وَقْتِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَا سُمِّيَ بِلَفْظِ السُّنَّةِ، وَحِينَئِذٍ تَقَعُ الْأُولَيَانِ سُنَّةً لِوُجُودِ تَمَامِ عِلَّتِهَا وَالْأُخْرَيَانِ نَفْلًا مَنْدُوبًا، فَلِهَذَا الْقِسْمُ مِنْ النِّيَّةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ تَرَكَهُ مِنْ تَقْسِيمِهِ.
وَإِذَا اعْتَرَفَ بِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْأَعَمُّ تَتَأَدَّى بِهَا السُّنَّةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ هُنَا أَيْضًا الصَّلَاةَ وَبِهَا يَتَأَدَّى السُّنَّةُ وَالْمَنْدُوبُ.
وَأَمَّا الثَّانِي وَالثَّالِثُ فَكَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نِيَّةُ الصَّلَاةِ وَزِيَادَةٌ فَعِنْدَ عَدَمِ مُطَابِقَةِ الْوَصْفِ لِلْوَاقِعِ يَلْغُو فَتَبْقَى نِيَّةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَى نَحْوِ مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ بُطْلَانَ الْوَصْفِ لَا يُبْطِلُ الْأَصْلَ، وَبِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ يَتَأَدَّى كُلٌّ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَنْدُوبِ إذَا وَقَعَ فِي وَقْتِهِ فَظَهَرَ أَنَّ صِحَّتَهُ لَيْسَتْ بِنَاءً عَلَى أَدَاءِ الْبَائِنِ بِنِيَّةٍ مُبَايِنَةٍ بَلْ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ لِلَّغْوِ الزَّائِدِ الْمُخَالِفِ، وَمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْقَائِلُ مِنْ حَدِيثِ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بِنِيَّةِ التَّهَجُّدِ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَقْصُودِهِ لِأَنَّ التَّهَجُّدَ مَنْدُوبٌ كَمَا يَشْهَدُ كَثِيرٌ مِنْ السُّنَّةِ بِنَدْبِ الْأُمَّةِ إلَيْهِ.
وَقَدْ تُؤَدَّى بِهِ سُنَّةُ الْفَجْرِ عَلَى إطْلَاقِ الْجَوَابِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ نَوَى مُجَرَّدَ الصَّلَاةِ أَوْ الْمَنْدُوبَةَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِأَنَّهَا مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ ﷺ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاضٍ، وَالتَّهَجُّدُ عِنْدَ مَشَايِخِنَا كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِ فَهُوَ مُوَاظَبَةٌ عَلَى فَرْضٍ.
ثُمَّ رَأَيْنَا فِي لَفْظِ الْهِدَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا وَهُوَ: قَوْلَةُ فَلِهَذَا خَيَّرَ، إلَّا أَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْبَعَ بَعْدَ الْعِشَاءِ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّوَافِلِ مُطْلَقًا أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ بِتَسْلِيمَةٍ، فَإِذَا جَعَلَ الْمُصَلِّي مَا بَعْدَ الْعِشَاءِ أَرْبَعًا أَدَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَثْبُتُ الْأَفْضَلِيَّةُ عِنْدَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ. مِنْ جِهَةِ زِيَادَةِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَمِنْ جِهَةِ وُقُوعِ السَّلَامِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعٍ لَا ثِنْتَيْنِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ خُصُوصًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعْنًى لِأَنَّ الْأَرْبَعَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ كَلَامُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ يُفِيدُ مَا قُلْنَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الرَّاتِبَةَ بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ.
وَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهَا تُؤَدَّى بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا الرَّاتِبَةَ فَيُصَلِّيَ سِتًّا، فَالنِّيَّةُ حِينَئِذٍ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ السُّنَّةِ أَوْ الْمَنْدُوبِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَقَدْ أَهْدَرَ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْ السُّنَّةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ نُدِبَ إلَى سِتٍّ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ ﷺ قَالَ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُتِبَ مِنْ الْأَوَّابِينَ، وَتَلَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا﴾» وَالْحَالُ فِيهَا كَالْحَالِ لِهَذِهِ الْأَرْبَعِ، فَلَوْ احْتَسَبَ الرَّاتِبَةَ مِنْهَا انْتَهَضَ سَبَبًا لِلْمَوْعُودِ (قَوْلُهُ كَذَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ).
أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ ﷺ قَالَ «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ» وَضُعِّفَ، بِعُبَيْدَةَ بْنِ مَعْتَبٍ الضَّبِّيِّ. وَفِي لَفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute