(وَمَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ يَتَنَفَّلُ عَلَى دَابَّتِهِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إيمَاءً) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ يُومِئُ إيمَاءً»
يَقْعُدَ فِيهِمَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَكَذَا إذَا شَرَعَ قَائِمًا وَلَهُ أَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقِيَامَ فِيمَا بَقِيَ: أَيْ فِيمَا قَعَدَ فِيهِ، وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ، أَوْ لِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ مُطْلَقًا صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ فَلَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمُبَاشَرِ بِصِفَةِ الْقِيَامِ عَلَى الْقِيَامِ فِيمَا بَقِيَ وَهَذِهِ الْمُقَدَّمَاتُ مِمَّا يُسَلِّمَانِهَا، وَلَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ شَيْءٌ مِنْهَا لِنُكْتَةِ الْخِلَافِ، وَهُوَ أَنَّ الشُّرُوعَ بِصِفَةِ الْقِيَامِ يَلْزَمُ الْقِيَامَ فِي الْكُلِّ كَنَذْرِهَا بِصِفَةِ الْقِيَامِ.
فَالْجَوَابُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ وَلِمَا بَاشَرَ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا مَا قَامَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَقُمْ فِيهِ صِحَّةً بِدُونِ الْقِيَامِ مُتَضَمِّنًا مَنْعَ كَوْنِ الشُّرُوعِ بِالْقِيَامِ مُوجِبًا لِلْقِيَامِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ كَوْنِ الشُّرُوعِ مُوجِبًا غَيْرَ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ إلْحَاقِ الشُّرُوعِ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا بَلْ فِي إيجَابِ أَصْلِ الْفِعْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ إيجَابَ الشُّرُوعِ الْإِتْمَامَ لَيْسَ لِنَفْسِهِ بَلْ لِوُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى عَنْ الْبُطْلَانِ، وَهَذَا الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِوُجُوبِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ دُونَ خُصُوصِيَّةِ صِفَةٍ إنْ لَمْ تَكُنْ هِيَ نَفْسُهَا مِنْ وَاجِبَاتِ أَصْلِ مَا شَرَعَ فِيهِ. بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ بِنَفْسِهِ عَامِلٌ، وَلِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا لَزِمَهُ بِصِفَةِ الْمَشْيِ، وَلَوْ شَرَعَ فِيهِ مَاشِيًا لَمْ يَلْزَمْ كَذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ يَنْبَغِي إذَا أَطْلَقَ نَذْرَ الصَّلَاةِ تَجِبُ بِصِفَةِ الْقِيَامِ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ إلَى آخِرِهَا فَهُوَ الرُّكْنُ الْأَصْلِيُّ، غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهُ إلَى الْقُعُودِ رُخْصَةً فِي النَّفْلِ فَلَا يَنْصَرِفُ الْمُطْلَقُ إلَّا إلَيْهِ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ. وَقِيلَ هُوَ بِالْخِيَارِ.
وَقِيلَ كَمَا فِي الْكِتَابِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ هُوَ مَا فِي الْكِتَابِ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ شَرْحِ الْكَنْزِ إلَّا لَوْ كَانَ إيجَابُ الْقُعُودِ وَلَا رِوَايَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ عُرِفَ الْجَوَابُ عَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ مَسْأَلَةِ نِيَّةِ الْأَرْبَعِ مَعَ الشُّرُوعِ.
(قَوْلُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ يُومِئُ إيمَاءً، وَقَدْ غَلِطَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَمْرَو بْنَ يَحْيَى فِي قَوْلِهِ عَلَى حِمَارٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ. وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى خَيْبَرَ عَلَى حِمَارٍ يُصَلِّي يُومِئُ إيمَاءً» وَسَكَتَ عَلَيْهِ.
وَفِي الْإِمَامِ عَزَى لَفْظَ الْإِيمَاءِ إلَى الصَّحِيحَيْنِ، وَالزَّيْلَعِيُّ ﵀ لَمْ يَرَهُ فِيهِمَا. وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِذِكْرِ الْإِيمَاءِ انْتَهَى. وَقَدْ رَأَيْنَاهُ فِي بَابِ الْوِتْرِ فِي السَّفَرِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ مِنْ صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ «رَأَيْتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute