للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدْخُلُ مَعَ الْقَوْمِ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةً) لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَكَرَّرُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ

(فَإِنْ صَلَّى مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً ثُمَّ أُقِيمَتْ يَقْطَعُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ) لِأَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إلَيْهَا أُخْرَى تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ، وَكَذَا إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَهَا بِالسَّجْدَةِ، وَبَعْدَ الْإِتْمَامِ لَا يَشْرَعُ فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَكَذَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ، وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةٌ لِإِمَامِهِ.

يَكْفِيهِ ذَلِكَ التَّشَهُّدُ لِأَنَّهُ لَمَّا قَعَدَ ارْتَفَضَ ذَلِكَ الْقِيَامَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ، ثُمَّ قِيلَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ (قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يُصَلِّي مَعَهُمْ نَافِلَةٌ) دَلَّ عَلَيْهِ مَا فِي مُسْلِمٍ «عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَ عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا؟ قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكْتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ فَإِنَّهَا لَكَ نَافِلَةٌ» وَكَرَاهَةُ النَّفْلِ بِجَمَاعَةٍ خَارِجَ رَمَضَانَ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْقَوْمُ مُتَنَفِّلِينَ، وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ مَجَازٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ

(قَوْلُهُ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ) فَإِنْ قِيلَ: رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَاهَا مَعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِهِمَا، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، قَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالصَّارِفُ الْأَمْرَ عَنْ الْوُجُوبِ جَعَلَهَا نَافِلَةً.

فَالْجَوَابُ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ النَّفْلِ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ الصُّبْحِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ، وَلِأَنَّ الْمَانِعَ مُقَدَّمٌ، وَاعْتِبَارُهُمْ كَوْنَ الْخَاصِّ مُطْلَقًا مُقَدَّمًا عَلَى الْعَامِّ مَمْنُوعٌ بَلْ يَتَعَارَضَانِ فِي ذَلِكَ الْفَرْدِ وَمَوْضِعُهُ الْأُصُولُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا قَبْلَ النَّهْيِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَعْلُومَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، كَيْفَ وَفِيهِ حَدِيثٌ صَرِيحٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «إذَا صَلَّيْتَ فِي أَهْلِكَ ثُمَّ أَدْرَكْتَ الصَّلَاةَ فَصَلِّهَا إلَّا الْفَجْرَ وَالْمَغْرِبَ». قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ وَكَانَ ثِقَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ وَقْفُ مَنْ وَقَفَهُ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا يَخْفَى وَجْهُ تَعْلِيلِ إخْرَاجِهِ الْفَجْرَ بِمَا يُلْحَقُ بِهِ الْعَصْرُ خُصُوصًا عَلَى رَأْيِهِمْ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُخَصِّصَاتِ وَدَلِيلُ التَّخْصِيصِ مِمَّا يُعَلَّلُ وَيُلْحَقُ بِهِ إخْرَاجًا (قَوْلُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ وَيُتِمُّهَا أَرْبَعًا، وَمَا عَنْهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ مَعَهُ.

وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ التَّنَفُّلَ بِالثَّلَاثِ مَكْرُوهٌ وَهَذَا دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ (قَوْلُهُ وَفِي جَعْلِهَا أَرْبَعًا مُخَالَفَةُ إمَامِهِ) دَفْعٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْهُ، وَمَا ذُكِرَ فِي وَجْهِهَا مِنْ أَنَّهُ تَغَيُّرٌ وَقَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>