(وَمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَدْ أُذِنَّ فِيهِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يُصَلِّيَ) لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَّا مُنَافِقٌ أَوْ رَجُلٌ يَخْرُجُ لِحَاجَةٍ يُرِيدُ الرُّجُوعَ» قَالَ (إلَّا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَنْتَظِمُ بِهِ أَمْرُ جَمَاعَةٍ) لِأَنَّهُ تَرْكُ صُورَةِ تَكْمِيلِ مَعْنًى (وَإِنْ كَانَ قَدْ صَلَّى وَكَانَتْ الظُّهْرُ أَوْ الْعِشَاءُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخْرُجَ) لِأَنَّهُ أَجَابَ دَاعِيَ اللَّهِ مَرَّةً (إلَّا إذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِمُخَالَفَةِ الْجَمَاعَةِ عِيَانًا (وَإِنْ كَانَتْ الْعَصْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ أَوْ الْفَجْرَ خَرَجَ وَإِنْ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِيهَا) لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا.
(وَمَنْ انْتَهَى إلَى الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ:
بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي سَجْدَةٍ سَجَدَهَا وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى كَمَالِ الْفَرْضِ. وَفِي وَجْهِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا نَقْصٌ وَقَعَ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الظُّهْرِ بَعْدَ مَا صَلَّاهَا وَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي مَعَ خُلُوِّهِمَا عَنْ الْقِرَاءَةِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا وَهُوَ نَقْصٌ فِي صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، وَلَمْ يُكْرَهُ لِمَجِيئِهِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ فَالْأَخِيرُ مَدْفُوعٌ بِمَنْعِ خُلُوِّهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ حُكْمًا، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ زِيَادَةَ نَحْوِ السَّجْدَةِ لَيْسَ زِيَادَةَ تَمَامِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ زِيَادَةِ رَكْعَةٍ تَامَّةٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ اعْتِبَارُ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْضُهُ.
وَالْأَوْجُهُ مَا قِيلَ فِي وَجْهِ الْأُولَى بِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ شَرْعًا كَالْمَسْبُوقِ. وَقَدْ يُدْفَعُ بِأَنَّ مُرَادَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي النِّيَّةِ. يَعْنِي إذَا اقْتَدَى وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي ثَلَاثًا وَمِنْ عَزْمِهِ هُوَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا يَكُونُ مُخَالِفًا لِإِمَامِهِ فِي النِّيَّةِ: وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ ﷺ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» يُفِيدُ كَرَاهَتَهُ وَجَوَازَ مُخَالَفَتِهِ فِي صِفَةِ النَّفْلِيَّةِ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، أَوْ نَقُولُ: الْمُخَالَفَةُ فِي الْأَدَاءِ مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ الشَّرْعُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ لِيَحْصُلَ بِذَلِكَ الْوِفَاقُ مَعْنًى، وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِخِلَافِهِ إذْ يَحْصُلُ بِهِ الْخِلَافُ مَعْنًى، وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهَا بِمَنْعِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ دَخَلَ وَلَا بُدَّ أَتَمَّهَا أَرْبَعًا وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ، فَعَنْ بِشْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ فَسَدَتْ وَيَقْضِي أَرْبَعًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِالِاقْتِدَاءِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فَيَلْزَمُ أَرْبَعٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ ثَلَاثًا.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعًا سَاهِيًا بَعْدَ مَا قَعَدَ عَلَى رَأْسِ الثَّلَاثِ وَقَدْ اقْتَدَى بِهِ الرَّجُلُ مُتَطَوِّعًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي لِأَنَّ الرَّابِعَةَ وَجَبَتْ عَلَى الْمُقْتَدِي بِالشُّرُوعِ وَعَلَى الْإِمَامِ بِالْقِيَامِ إلَيْهَا، فَصَارَ كَرَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِالنَّذْرِ فَاقْتَدَى فِيهِنَّ بِغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي كَذَا هَذَا.
(قَوْلُهُ يُكْرَهُ لَهُ الْخُرُوجُ حَتَّى يُصَلِّيَ) فِيهِ مُقَيَّدٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ صَلَّى وَلَيْسَ مِمَّنْ تَنْتَظِمُ بِهِ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ خَرَجَ إلَيْهِمْ وَفِيهِ قَيْدٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ غَيْرَهُ وَقَدْ صَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ فَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَخْرُجَ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ ﷺ " لَا يَخْرُجَ " إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ أَدْرَكَ الْأَذَانَ فِي الْمَسْجِدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute