للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا وَهُوَ مَكْرُوهٌ بَعْدَ الصُّبْحِ (وَلَا بَعْدَ ارْتِفَاعِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهُمَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ) لِأَنَّهُ قَضَاهُمَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ غَدَاةَ لَيْلَةِ التَّعْرِيسِ. وَلَهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي السُّنَّةِ أَنْ لَا تُقْضَى لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ، وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِي قَضَائِهَا تَبَعًا لِلْفَرْضِ فَبَقِيَ

قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَفْصَةَ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» وَسَنَذْكُرُ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ احْتَجَرَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ فِي رَمَضَانَ الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد «صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» وَقَوْلُهُ «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيمَا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى نَفْلًا مُطْلَقًا) بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، أَوْ قَدْ وَرَدَ وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا.

وَإِذَا تَرَجَّحَ الْعَمَلُ بِهِ بَقِيَ الْمَفْعُولُ بَعْدَهَا نَفْلًا مُطْلَقًا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الدَّالَ عَلَى كَوْنِهِ قَضَاءَ مُعَارَضٍ فَيَكُونُ قَضَاءً لَا نَفْلًا مُطْلَقًا عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ (قَوْلُهُ لِاخْتِصَاصِ الْقَضَاءِ بِالْوَاجِبِ) قِيلَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَسْلِيمٌ مِثْلُ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِاصْطِلَاحَ عَلَى جَعْلِ مُسَمَّى هَذَا اللَّفْظِ كَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُودَ الْقَضَاءِ مَعَ حَذْفِ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي الشَّرْعِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأُولَى فَيَمْنَعُ النَّاظِرُ اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْقَيْدِ فِي مَفْهُومِهِ، وَيَئُولُ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ لَا يَدْفَعُ اصْطِلَاحًا آخَرَ. أَوْ يُقَالُ: ذَلِكَ تَعْرِيفُ قَضَاءٍ لِلْوَاجِبِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ ذَلِكَ فِي تَقْسِيمِ حُكْمِ الْأَمْرِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ قَوْلِهِمْ حُكْمُ الْأَمْرِ نَوْعَانِ: أَدَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ نَفْسِ الْوَاجِبِ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَقَضَاءٌ وَهُوَ تَسْلِيمُ مِثْلِ الْوَاجِبِ.

فَالْأَوْلَى فِي تَقْرِيرِهِ أَنْ يُقَالَ الْقَضَاءُ إنْ وَجَبَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ تَوَقَّفَ قَضَاءُ كُلِّ نَفْلٍ وَوَاجِبٍ عَلَى سَمْعِيٍّ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي كُلِّ وَاجِبٍ سَمْعِيٍّ عَامٍّ، وَفِي الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ إجْمَاعٌ عَلَى مَا نَقَلُوا وَهُوَ سَمْعِيٌّ أَيْضًا، وَلَمْ يُوجَدْ مِثْلُ ذَلِكَ فِي النَّفْلِ مُطْلَقًا فَاخْتَصَّ الْقَضَاءُ بِالْوَاجِبِ وَإِنْ وَجَبَ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ.

فَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ إذَا شَغَلَ الذِّمَّةَ وَطَلَبَ تَفْرِيغَهَا فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ فَفَاتَ يَبْقَى السَّبَبُ طَالِبًا التَّفْرِيغَ عَلَى حَسَبِ الْوُسْعِ الْحَاصِلِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ بَعْدَ تَحَقُّقِ شَغْلِهَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِإِبْرَاءِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ أَوْ الْأَدَاءُ، وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي السُّنَنِ إذْ لَا شَغْلَ ذِمَّةٍ فِيهَا بَلْ طُلِبَتْ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>