(وَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ يُقَدِّمُ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يَقْضِيهَا) لِأَنَّ التَّرْتِيبَ يَسْقُطُ بِضِيقِ الْوَقْتِ، وَكَذَا بِالنِّسْيَانِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَقْدِيمِهَا لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ وَقَدَّمَ الْوَقْتِيَّةَ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ
أَوْلَوِيَّةُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ مَحْمَلُ فِعْلِهِ ﷺ التَّرْتِيبَ فِي الْقَضَاءِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ الْمُتَعَيَّنَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ الْأُولَى (قَوْلُهُ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى تَفْوِيتِ الْوَقْتِيَّةِ) تَعْلِيلٌ لِلسُّقُوطِ بِضِيقِ الْوَقْتِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ.
وَأَمَّا بِالنِّسْيَانِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا أَوْجَبَ التَّرْتِيبَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ، ثُمَّ تَفْسِيرُ ضِيقِ الْوَقْتِ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي لَا يَسَعُ الْوَقْتِيَّةَ وَالْفَائِتَةَ وَلَا يُنَاطُ بِمُجَرَّدِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ بِالْوَاقِعِ، فَلَوْ ظَنَّ ضِيقَهُ فَصَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِ سَعَةٌ بَطَلَتْ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْبَاقِيَ صَارَ لَا يَسَعُهُمَا فَأَعَادَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَيْضًا خِلَافُهُ بَطَلَتْ أَيْضًا، ثُمَّ يَنْظُرُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ إلَى أَنْ يَظْهَرَ بَعْدَ إعَادَةٍ مِنْ الْإِعَادَاتِ ضِيقُهُ صَادِقًا فَيُعِيدَ الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ، وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ إعَادَتِهِ أَنَّهُ يَسَعُهُمَا صَلَّى الْفَائِتَةَ ثُمَّ الْوَقْتِيَّةَ، وَلَوْ صَلَّى الْوَقْتِيَّةَ ثُمَّ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ فَصْلٌ فَصَلَّى الْفَائِتَةَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ حُكِمَ بِجَوَازِ الْوَقْتِيَّةِ لِتَبَيُّنِ ضِيقِ الْوَقْتِ وَيُعْتَبَرُ ضِيقُ الْوَقْتِ عِنْدَ الشُّرُوعِ، حَتَّى لَوْ شَرَعَ فِي الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ وَأَطَالَ حَتَّى ضَاقَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَشْرَعَ فِيهَا، وَلَوْ شَرَعَ نَاسِيًا وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَذَكَّرَ عِنْدَ ضِيقِهِ جَازَتْ، وَلَوْ تَعَدَّدَتْ الْفَوَائِتُ لَا بِحَيْثُ يَسْقُطُ التَّرْتِيبُ وَالْوَقْتُ يَسَعُ بَعْضَهَا لَا الْكُلَّ لَا تَجُوزُ الْوَقْتِيَّةُ حَتَّى يُصَلِّيَ ذَلِكَ، وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الصَّرْفُ إلَى هَذَا الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْهُ لِلْآخَرِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَدَّمَ الْفَائِتَةَ جَازَ) يَعْنِي يَصِحُّ لَا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالنَّافِلَةِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ يَكُونُ آثِمًا بِتَفْوِيتِ الْفَرْضِ بِهَا وَيُحْكَمُ بِصِحَّتِهَا (قَوْلُهُ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ الْفَائِتَةِ وَهُوَ كَوْنُ الِاشْتِغَالِ بِهَا يُفَوِّتُ الْوَقْتِيَّةَ وَهَذَا يُوجِبُ كَوْنَهُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ، أَمَّا هِيَ فِي نَفْسِهَا فَلَا مَعْصِيَةَ فِي ذَاتِهَا هَذَا وَمَا أَمْكَنَ مُرَاعَاةُ حَالِ الْأَدَاءِ فِي الْقَضَاءِ يُرَاعَى، فَمِنْ ذَلِكَ الْجَهْرُ وَالْإِخْفَاءُ. فَإِنَّ أَمَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَجَبَ الْجَهْرُ اتِّفَاقًا، وَإِنْ انْفَرَدَ فِي قَضَائِهَا فَفِيهِ خِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَقَدَّمَهَا الْمُصَنِّفُ وَاخْتَارَ وُجُوبَ الْإِخْفَاءِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُهُ وَتَقَدَّمَ الْوَجْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ: مَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَقْضِيهَا بِالتَّكْبِيرَاتِ إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (قَوْلُهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ) يَعْنِي قَوْلَهُ ﷺ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا» وَتَقَدَّمَ، أَفَادَ أَنَّ وَقْتَ التَّذَكُّرِ وَقْتُ الْفَائِتَةِ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ وَقْتًا لِلْوَقْتِيَّةِ فَيَكُونُ أَدَاءُ الْوَقْتِيَّةِ فِيهِ قَبْلَ وَقْتِهَا الثَّابِتِ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَ وَقْتُهَا بِالْقَاطِعِ فَيَكُونُ إهْدَارًا لِأَحَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute