إلَّا أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَوْلَى عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إشَارَةَ الْمُسْتَلْقِي تَقَعُ إلَى هَوَاءِ الْكَعْبَةِ، وَإِشَارَةَ الْمُضْطَجِعِ عَلَى جَنْبِهِ إلَى جَانِبِ قَدَمَيْهِ، وَبِهِ تَتَأَدَّى الصَّلَاةُ.
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ أُخِّرَتْ الصَّلَاةُ عَنْهُ، وَلَا يُومِئُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِقَلْبِهِ وَلَا بِحَاجِبَيْهِ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ، وَلِأَنَّ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ مُمْتَنِعٌ، وَلَا قِيَاسَ عَلَى الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَأَدَّى بِهِ رُكْنُ الصَّلَاةِ دُونَ الْعَيْنِ وَأُخْتَيْهَا. وَقَوْلُهُ أُخِّرَتْ عَنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ الْعَجْزُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذَا كَانَ مُفِيقًا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ مَضْمُونَ الْخِطَابِ بِخِلَافِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ.
أَنَّهُ لَوْ حَقَّقَهُ مُسْتَلْقِيًا كَانَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا إلَى قِبْلَةٍ، وَلَوْ أَتَمَّهُ عَلَى جَنْبٍ كَانَ إلَى غَيْرِ جِهَتِهَا، وَمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ ﷺ «يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ يُصَلِّي مُسْتَلْقِيًا رِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ» ضَعِيفٌ بِالْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، إلَّا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ زِيَادَةِ النَّسَائِيّ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا» إنْ صَحَّتْ يُشْكِلُ عَلَى الْمُدَّعِي وَتُفِيدُ إنْ كَانَ الِاسْتِلْقَاءُ لِعِمْرَانَ.
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِزُفَرَ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ قَالَ: لَا أَشُكُّ أَنَّ الْإِيمَاءَ بِرَأْسِهِ يُجْزِئُهُ، وَلَا أَشُكُّ أَنَّهُ بِقَلْبِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَأَشُكُّ فِيهِ بِالْعَيْنِ.
(قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي قَوْلَهُ ﷺ «فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى قَفَاهُ يُومِئُ إيمَاءً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ بِقَبُولِ الْعُذْرِ مِنْهُ» وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَثْبُتَ لُغَةً أَنَّ مُسَمَّى الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ لَيْسَ غَيْرُ. وَأَمَّا بِالْعَيْنِ وَالْحَاجِبِ فَإِشَارَةٌ وَنَحْوُهُ لَا إيمَاءٌ فَيَكُونُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَرَادَتْ كَلَامًا فَاتَّقَتْ مِنْ رَقِيبِهَا … فَلَمْ يَكُ إلَّا وَمْؤُهَا بِالْحَوَاجِبِ
مَجَازًا لَا حَقِيقَةً، وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ حَتَّى يَثْبُتَ ذَلِكَ الْمَفْهُومُ كَذَلِكَ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لِمَا رَوَيْنَا مَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ لِذَلِكَ الْمَرِيضِ «وَإِلَّا فَأَوْمِئْ بِرَأْسِكَ» وَعَلَى اللَّفْظِ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ الْمُخَرَّجِ أَيْضًا الرَّأْسُ مُرَادٌ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «وَاجْعَلْ سُجُودَكَ أَخْفَضَ» وَلَا يَتَحَقَّقُ زِيَادَةُ الْخَفْضِ بِالْعَيْنِ بَلْ إذَا كَانَ الْإِيمَاءُ بِالرَّأْسِ. (قَوْلُهُ: هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إذَا كَثُرَ، وَإِنْ كَانَ يُفْهَمُ مِنْ مَضْمُونِ الْخِطَابِ فَجَعَلَهُ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُهُ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْلِ لَا يَكْفِي لِتَوَجُّهِ الْخِطَابِ، وَاسْتَشْهَدَ قَاضِي خَانْ بِمَا عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قُطِعَتْ يَدَاهُ مِنْ الْمَرْفِقَيْنِ وَرِجْلَاهُ مِنْ السَّاقَيْنِ لَا صَلَاةَ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute