قَالَ (وَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقِيَامُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا يُومِئُ إيمَاءً)؛ لِأَنَّ رُكْنِيَّةَ الْقِيَامِ لِلتَّوَسُّلِ بِهِ إلَى السَّجْدَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ نِهَايَةِ التَّعْظِيمِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ لَا يَكُونُ رُكْنًا فَيَتَخَيَّرُ، وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْإِيمَاءُ قَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالسُّجُودِ.
(وَإِنْ صَلَّى الصَّحِيحُ بَعْضَ صَلَاتِهِ قَائِمًا ثُمَّ حَدَثَ بِهِ مَرَضٌ يُتِمُّهَا قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ أَوْ مُسْتَلْقِيًا إنْ لَمْ يَقْدِرْ)؛ لِأَنَّهُ بِنَاءُ الْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى فَصَارَ كَالِاقْتِدَاءِ.
(وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ قَائِمًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ ﵀: اسْتَقْبَلَ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَإِنْ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ بِإِيمَاءٍ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ
وَدُفِعَ بِأَنَّ ذَاكَ فِي الْعَجْزِ الْمُتَيَقَّنِ امْتِدَادُهُ إلَى الْمَوْتِ. وَكَلَامُنَا فِيمَا إذَا صَحَّ الْمَرِيضُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا فِيمَا إذَا مَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَلَا الْإِيصَاءُ بِهِ، كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إذَا أَفْطَرَا فِي رَمَضَانَ وَمَاتَا قَبْلَ الْإِقَامَةِ وَالصِّحَّةِ. وَمَنْ تَأَمَّلَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ فِي الْأُصُولِ وَسَيَأْتِي لِلْمَجْنُونِ يُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ، وَلَوْ سَاعَةً يَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ الشَّهْرِ، وَكَذَا الَّذِي جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ صَلَاةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَقْضِي وَفِيمَا دُونَهَا يَقْضِي، انْقَدَحَ فِي ذِهْنِهِ إيجَابُ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمَرِيضِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْإِيصَاءُ بِهِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِطَرِيقٍ، وَسُقُوطُهُ إنْ زَادَ. ثُمَّ رَأَيْت عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنْ كَانَتْ الْفَوَائِتُ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ وَجَبَ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ قَدَرَ) أَيْ الْمَرِيضُ عَلَى الْقِيَامِ دُونَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِأَنْ كَانَ مَرَضُهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ. (قَوْلُهُ: لَمْ يَلْزَمْهُ) الْمَنْفِيُّ اللُّزُومُ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ أَوْمَأَ قَائِمًا جَازَ، إلَّا أَنَّ الْإِيمَاءَ قَاعِدًا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى السُّجُودِ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: يُومِئُ لِلرُّكُوعِ قَائِمًا وَلِلسُّجُودِ قَاعِدًا، ثُمَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْمُقَدِّمَةِ الْقَائِلَةِ رُكْنِيَّةُ الْقِيَامِ لَيْسَ إلَّا لِلتَّوَسُّلِ إلَى السُّجُودِ، وَقَدْ أَثْبَتَهَا بِقَوْلِهِ: لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ التَّعْظِيمِ: أَيْ السَّجْدَةُ عَلَى وَجْهِ الِانْحِطَاطِ مِنْ الْقِيَامِ فِيهَا نِهَايَةُ التَّعْظِيمِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، فَكَانَ طَلَبُ الْقِيَامِ لِتَحْقِيقِهِ، فَإِذَا سَقَطَ سَقَطَ مَا وَجَبَ لَهُ. وَقَدْ يَمْنَعُ أَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِهَذَا عَلَى وَجْهِ الْحَصْرِ بَلْ لَهُ وَلِمَا فِيهِ نَفْسِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الشَّاهِدِ مِنْ اعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ حَتَّى يُحِبَّهُ أَهْلُ التَّجَبُّرِ لِذَلِكَ، فَإِذَا فَاتَ أَحَدُ التَّعْظِيمَيْنِ صَارَ مَطْلُوبًا بِمَا فِيهِ نَفْسِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الدَّعْوَى أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا الْقِيَامِ وَجَبَ الْقُعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّجُودِ عَقِيبَهُ تِلْكَ النِّهَايَةُ لِعَدَمِ مَسْبُوقِيَّتِهِ بِالْقِيَامِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ يُومِئُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ) هُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ. وَفِي النَّوَادِرِ: إذَا صَارَ إلَى الْإِيمَاءِ بَعْدَمَا افْتَتَحَ قَادِرًا عَلَيْهِمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ انْعَقَدَتْ مُوجِبَةً لَهُمَا. قُلْنَا لَا بَلْ لِلْمَقْدُورِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَزِمَا فَإِذَا صَارَ الْمَقْدُورُ الْإِيمَاءَ لَزِمَ، وَأَدَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِهِمَا أَوْلَى مِنْ أَدَاءِ كُلِّهَا بِالْإِيمَاءِ.
(قَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي الِاقْتِدَاءِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute