(وَإِنْ صَلَّى أَرْبَعًا وَقَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَجْزَأَتْهُ الْأُولَيَانِ عَنْ الْفَرْضِ وَالْأُخْرَيَاتُ لَهُ نَافِلَةٌ) اعْتِبَارًا بِالْفَجْرِ، وَيَصِيرُ مُسِيئًا لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ (وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّانِيَةِ قَدْرَهَا بَطَلَتْ)؛ لِاخْتِلَاطِ النَّافِلَةِ بِهَا قَبْلَ إكْمَالِ أَرْكَانِهَا.
لَيْسَ حَقِيقَتُهُ إلَّا نَفْيَ افْتِرَاضِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْفَرْضِ، فَيَلْزَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ ثُبُوتَ التَّرَخُّصِ مَعَ قِيَامِ الِافْتِرَاضِ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي التَّأْخِيرِ وَنَحْوِهِ مِنْ عَدَمِ إلْزَامِ بَعْضِ الْكَيْفِيَّاتِ الَّتِي عُهِدَتْ لَازِمَةً فِي الْفَرْضِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَطْعِيٌّ فِي الْإِسْقَاطِ فَيَلْزَمُ كَوْنُ الْفَرْضِ مَا بَقِيَ، بِخِلَافِ الْفَقِيرِ إذَا حَجَّ حَيْثُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ إنْ لَمْ يَنْوِ النَّفَلَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ حِينَ صَارَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ.
وَأَمَّا وُقُوعُ الزَّائِدِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الْمَسْنُونَةِ فَرْضًا لَا نَفْلًا مَعَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا فَجَوَابُهُ مَا سَلَفَ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَارْجِعْ إلَيْهِ، هَذَا وَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ حِينَ فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ أَتَمَّهَا فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الْأُولَى» زَادَ فِي لَفْظٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ: قُلْت لِعُرْوَةِ: فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ قَالَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ كَمَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَتْ «فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبِيُّ ﷺ فَفُرِضَتْ أَرْبَعًا، فَتُرِكَتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى الْأَوَّلِ» ذَكَرَهُ فِي بَابِ مِنْ أَيْنَ أَرَّخُوا التَّارِيخَ.
وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّ زِيَادَةَ صَلَاةِ الْحَضَرِ كَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى السَّمَاعِ؛ لِأَنَّ أَعْدَادَ الرَّكَعَاتِ لَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا بِالرَّأْيِ، وَكَوْنُ عَائِشَةَ تُتِمُّ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا: إذْ الْكَلَامُ فِي أَنَّ الْفَرْضَ كَمْ هُوَ لَا فِي جَوَازِ إتْمَامِ أَرْبَعٍ فَإِنَّا نَقُولُ: إذَا أَتَمَّ كَانَتْ الْأُخْرَيَانِ نَافِلَةً، لَكِنْ فِيهِ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي النَّفْلِ عَدَمُ بِنَائِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْفَرْضِ، فَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ ﵂ تُوَاظِبُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ فِي السَّفَرِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ وَصْلَهَا بِنَاءً عَلَى اعْتِقَادِ وُقُوعِ الْكُلِّ فَرْضًا فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ حَدَثَ لَهَا تَرَدُّدٌ أَوْ ظَنٌّ فِي أَنَّ جَعْلَهَا رَكْعَتَيْنِ لِلْمُسَافِرِ مُقَيَّدٌ بِحَرَجِهِ بِالْإِتْمَامِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَوْ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ " أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا، فَقُلْت لَهَا لَوْ صَلَّيْت رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي إنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ " وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ: إنَّهَا تَأَوَّلَتْ: أَيْ تَأَوَّلَتْ أَنَّ الْإِسْقَاطَ مَعَ الْحَرَجِ، لَا أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَدَاءِ وَالتَّرْكِ مَعَ بَقَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُخَيَّرِ فِي أَدَائِهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ. هَذَا مَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَعُدُّ نَفْسَهَا مُسَافِرَةً بَلْ حَيْثُ حَلَّتْ كَانَتْ مُقِيمَةً، وَنُقِلَ قَوْلُهَا " أَنَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَيْثُ حَلَلْت فَهُوَ دَارِي " لَمَّا سُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ فَبَعِيدٌ، وَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَحَقَّقَ لَهَا سَفَرٌ أَبَدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِذَا كَانَ الْمَرْوِيُّ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute