للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُيُوتَ الْمِصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا فَيَتَعَلَّقُ السَّفَرُ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا. وَفِيهِ الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ ، لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَقَصَرْنَا

رَسُولِ اللَّهِ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقَصْرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾». انْتَهَى.

وَهُوَ مُعَارِضٌ لِلْمَرْوِيِّ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُتِمُّ، وَالتَّوْفِيقُ أَنَّ إتْمَامَهُ الْمَرْوِيَّ كَانَ حِينَ قَامَ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُنْسَحِبٌ عَلَى إقَامَةِ أَيَّامِ مِنًى فَسَاغَ إطْلَاقُ أَنَّهُ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ مَا مَضَى الصَّدْرُ مِنْ خِلَافَتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَأَهَّلَ بِمَكَّةَ عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَنَّهُ صَلَّى بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَنْكَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي تَأَهَّلْتُ بِمَكَّةَ مُنْذُ قَدِمْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» مَعَ أَنَّ فِي الْبَابِ مَا هُوَ مَرْفُوعٌ، فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً» وَهَذَا رَفْعٌ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ «افْتَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ كَمَا افْتَرَضَ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا».

وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ قَالَ «صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ » وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَإِعْلَالُهُ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ مَدْفُوعٌ بِثُبُوتِ ذَلِكَ حَكَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا حَقَّقْنَاهُ مِنْ الْمَعْنَى الْمُفِيدِ لِنَفْلِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ كِفَايَةٌ. وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ الشَّارِحِينَ مَنْ يَحْكِي خِلَافًا بَيْنَ الْمَشَايِخِ فِي أَنَّ الْقَصْرَ عِنْدَنَا عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ، وَيَنْقُلُ اخْتِلَافَ عِبَارَتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ غَلَطٌ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ رُخْصَةٌ عَنَى رُخْصَةَ الْإِسْقَاطِ، وَهُوَ الْعَزِيمَةُ، وَتَسْمِيَتُهَا رُخْصَةً مَجَازٌ وَهَذَا بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ

. (قَوْلُهُ: وَإِذَا فَارَقَ) بَيَانٌ لِمَبْدَإِ الْقَصْرِ، وَيَدْخُلُ فِي بُيُوتِ الْمِصْرِ رَبَضُهُ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ «أَنَّهُ قَصَرَ الْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ». وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّا لَوْ جَاوَزْنَا هَذَا الْخُصَّ لَصَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ يَتَحَقَّقُ مَبْدَأُ الْفِنَاءِ إذْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِغَلْوَةٍ فِي الْمُخْتَارِ. وَقِيلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ، وَالْفِنَاءُ مُلْحَقٌ بِالْمِصْرِ شَرْعًا حَتَّى جَازَتْ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدَانِ فِيهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُفَارَقَةِ لِلْبُيُوتِ بَلْ إذَا جَاوَزَ الْفِنَاءَ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُلْحِقَ بِهِ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ أَهْلِهِ الْمُقِيمِينَ فِيهِ لَا مُطْلَقًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ مَنَعَ الْجُمُعَةَ فِيهِ إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْعُمْرَانِ فَلَا يَرِدُ الْإِشْكَالُ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: فَصْلٌ فِي الْفِنَاءِ، فَقَالَ: إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>