(وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ الْإِقَامَةَ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ)؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مُدَّةٍ
كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ غَلْوَةٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ الْفِنَاءِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَزْرَعَةٌ أَوْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ قَدْرَ غَلْوَةٍ يَعْتَبِرُ مُجَاوَزَةَ عُمْرَانِ الْمِصْرِ هَذَا، وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةً أَوْ قُرًى مُتَّصِلَةً بِرَبَضِ الْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَهَا. وَفِي الْفَتَاوَى أَيْضًا إنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَحَلَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْمِصْرِ وَفِي الْقَدِيمِ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِالْمِصْرِ لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُجَاوِزَ تِلْكَ الْمَحَلَّةَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ مُفَارَقَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ مَعَ عَدَمِ جَوَازِ الْقَصْرِ، فَفِي عِبَارَةِ الْكِتَابِ إرْسَالٌ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ وَلَوْ ادَّعَيْنَا أَنَّ بُيُوتَ تِلْكَ الْقُرَى دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى بُيُوتِ الْمِصْرِ انْدَفَعَ هَذَا لَكِنَّهُ تَعَسُّفٌ ظَاهِرٌ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْجَانِبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، فَلَوْ جَاوَزَهَا وَتُحَاذِيهِ بُيُوتٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ جَازَ الْقَصْرُ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَزَالُ عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ حَتَّى يَنْوِيَ إلَخْ) ظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى يَدْخُلَ قَرْيَةً أَوْ بَلَدًا فَيَنْوِيَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ بِالْقَرْيَةِ وَالْبَلَدِ مُتَحَقِّقَةٌ حَالَ سَفَرِهِ إلَيْهَا قَبْلَ دُخُولِهَا لَكِنَّ تَرْكَهُ لِظُهُورِهِ وَلِاسْتِفَادَتِهِ مِنْ تَعْلِيلِ مَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ تَتَعَلَّقُ بِدُخُولِهَا، وَفِيهِ أَثَرُ عَلِيٍّ. قَالَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا: وَخَرَجَ عَلِيٌّ ﵁ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا، يُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالْكُوفَةُ بِمَرْأًى مِنْهُمْ فَقِيلَ لَهُ إلَخْ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَصَرَّحَ بِهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ وَفَاءِ بْنِ إيَاسٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ ﵁ وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى الْكُوفَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعْنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَى الْقَرْيَةِ، فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تُصَلِّي أَرْبَعًا؟ قَالَ: لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا.
ثُمَّ بَقَاءُ حُكْمِ السَّفَرِ مِنْ حِينِ الْمُفَارَقَةِ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ إلَى غَايَةِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي بَلَدٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ وَبِأَنْ لَا يَكُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مِنْ الْعَسْكَرِ قَبْلَ الْفَتْحِ. وَأَيْضًا اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مُطْلَقًا فِي ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ لَيْسَ وَاقِعًا، فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ مِصْرَهُ صَارَ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ بِلَا نِيَّةٍ. وَالْأَحْسَنُ فِي الضَّابِطِ لَا يَزَالُ مُسَافِرًا حَتَّى يَعْزِمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ مُدَّةِ السَّفَرِ، وَلَوْ فِي الْمَفَازَةِ، أَوْ يَدْخُلَهَا بَعْدَ الِاسْتِكْمَالِ، أَوْ يَدْخُلَ غَيْرَهَا فَيَنْوِيَ الْإِقَامَةَ بِهَا وَحْدَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا وَلَيْسَتْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَهُوَ مِنْ الْعَسْكَرِ الدَّاخِلِينَ، وَالْمَفَاهِيمُ الْمُخَالِفَةُ لِلْقُيُودِ كُلُّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْكِتَابِ مَسَائِلَ مُسْتَقِلَّةً، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ مَسْأَلَةَ الْعَزْمِ عَلَى الرُّجُوعِ، وَهِيَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ حُكْمُ السَّفَرِ بِالْمُفَارَقَةِ نَاوِيًا لِلسَّفَرِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا فَرَجَعَ صَارَ مُقِيمًا فِي الْمَفَازَةِ حَتَّى أَنَّهُ يُصَلِّي أَرْبَعًا، وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَحِلَّ فِطْرُهُ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ يَوْمَانِ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَضَ السَّفَرُ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِاحْتِمَالِهِ النَّقْضَ إذْ لَمْ يَسْتَحْكِمُ إذَا لَمْ يَتِمَّ عِلَّةً، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ نَقْضًا لِلْعَارِضِ لَا ابْتِدَاءَ عِلَّةِ الْإِتْمَامِ.
وَلَوْ قِيلَ الْعِلَّةُ مُفَارَقَةُ الْبُيُوتِ قَاصِدًا مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute