(وَلَوْ دَخَلَ مِصْرًا عَلَى عَزْمِ أَنْ يَخْرُجَ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ وَلَمْ يَنْوِ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ حَتَّى بَقِيَ عَلَى ذَلِكَ سِنِينَ قَصَرَ)؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَقْصُرُ. وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃ مِثْلُ ذَلِكَ.
(وَإِذَا دَخَلَ الْعَسْكَرُ أَرْضَ الْحَرْبِ فَنَوَوْا الْإِقَامَةَ بِهَا قَصَرُوا وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا فِيهَا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا)؛ لِأَنَّ الدَّاخِلَ بَيْنَ أَنْ يُهْزَمَ فَيَقِرَّ وَبَيْنَ أَنْ يَنْهَزِمَ فَيَفِرَّ فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ
السِّتَّةُ عَنْ أَنَسٍ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ قِيلَ: كَمْ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ عَزَمُوا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، غَيْرُ أَنَّهُمْ اتَّفَقَ لَهُمْ أَنَّهُمْ اسْتَمَرُّوا إلَى عَشْرٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّهُمْ نَوَوْا الْإِقَامَةَ حَتَّى يَقْضُوا النُّسُكَ. نَعَمْ كَانَ يَسْتَقِيمُ هَذَا لَوْ كَانَ فِي قِصَّةِ الْفَتْحِ، لَكِنَّ الْكَائِنَ فِيهَا «أَنَّهُ ﷺ أَقَامَ بِمَكَّةَ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ، «فَإِنَّهُ ﷺ دَخَلَ مَكَّةَ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَهُوَ يَوْمُ الْأَحَدِ، وَبَاتَ بِالْمُحَصَّبِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ وَفِي مِثْلِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ مِنْ التَّنْعِيمِ، ثُمَّ طَافَ ﷺ طَوَافَ الْوَدَاعِ سَحَرًا قَبْلَ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ، وَخَرَجَ صَبِيحَتَهُ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَتَمَّتْ لَهُ عَشْرُ لَيَالٍ».
وَلَوْ قِيلَ: تِلْكَ وَاقِعَةُ حَالٍ فَيَجُوزُ كَوْنُ الْإِقَامَةِ فِيهَا كَانَتْ مَنْوِيَّةً مِنْهُ ﷺ فِي مَكَّةَ وَمِنًى فَلَا يَصِيرُ لَهُ بِذَلِكَ حُكْمُ الْإِقَامَةِ عَلَى رَأْيِكُمْ. قُلْنَا: مَعْلُومٌ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَكُنْ لِيَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى صَبِيحَةِ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ فَيَكُونُ عَزْمُهُ عَلَى الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ إلَى حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ كَوَامِلُ، فَيَنْتَفِي بِهِ قَوْلُكُمْ: إنَّ أَرْبَعَةً أَقَلُّ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ
. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵄ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ) بِالذَّالِ السَّاكِنَةِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَ هَمْزَةٍ وَالْبَاءُ مَكْسُورَةٌ بَعْدَهَا الْيَاءُ الْمُثَنَّاةُ مِنْ تَحْتٍ قَرْيَةٌ، رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: ارْتَجَّ عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي غَزَاةٍ، فَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَقَيَّدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: كُنَّا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ بِبَعْضِ بِلَادِ فَارِسَ سِنِينَ، فَكَانَ لَا يَجْمَعُ وَلَا يَزِيدُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالشَّامِّ شَهْرَيْنِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ تَكُنْ دَارَ إقَامَةٍ) وَمُجَرَّدُ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ لَا تَتِمُّ عِلَّةً فِي ثُبُوتِ حُكْمِ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي الْمَفَازَةِ، فَكَانَتْ الْبَلَدُ مِنْ دَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute