(وَكَذَا إذَا حَاصَرُوا أَهْلَ الْبَغْيِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ مِصْرٍ أَوْ حَاصَرُوهُمْ فِي الْبَحْرِ)؛ لِأَنَّ حَالَهُمْ مُبْطِلٌ عَزِيمَتَهُمْ، وَعِنْدَ زُفَرَ ﵀: يَصِحُّ فِي الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَ الشَّوْكَةُ لَهُ لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَرَارِ ظَاهِرًا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀ يَصِحُّ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ.
(وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ مِنْ أَهْلِ الْكَلَأِ وَهُمْ أَهْلُ الْأَخْبِيَةِ، قِيلَ لَا تَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُقِيمُونَ) يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَصْلٌ فَلَا تَبْطُلُ بِالِانْتِقَالِ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى
الْحَرْبِ قَبْلَ الْفَتْحِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْعَسْكَرِ كَالْمَفَازَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْضِعِ إقَامَةٍ قَبْلَ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ أَنْ يَهْزِمُوا فَيَقِرُّوا أَوْ يُهْزَمُوا فَيَفِرُّوا، فَحَالَتُهُمْ هَذِهِ مُبْطِلَةٌ عَزِيمَتَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَ تِلْكَ الْعَزِيمَةِ مُوَطَّنُونَ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ هُزِمُوا قَبْلَ تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ أَمْرٌ مُجَوَّزٌ لَمْ يُقِيمُوا، وَهَذَا مَعْنَى قِيَامِ التَّرَدُّدِ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمْ تُقْطَعْ النِّيَّةُ عَلَيْهَا، وَلَا بُدَّ فِي تَحَقُّقِ حَقِيقَةِ النِّيَّةِ مِنْ قَطْعِ الْقَصْدِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّوْكَةُ لَهُمْ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُصُولِ الْمَدَدِ لِلْعَدُوِّ، وَوُجُودَ مَكِيدَةٍ مِنْ الْقَلِيلِ يَهْزِمُ بِهَا الْكَثِيرَ قَائِمٌ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ قَطْعَ الْقَصْدِ، وَبِهَذَا يُضَعَّفُ تَعْلِيلُ أَبِي يُوسُفَ الصِّحَّةَ إذَا كَانُوا فِي بُيُوتِ الْمَدَرِ لَا إنْ كَانُوا فِي الْأَخْبِيَةِ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ بُيُوتِ الْمَدَرِ لَيْسَ عِلَّةَ ثُبُوتِ الْإِقَامَةِ بَلْ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ تُقْطَعْ، وَعَلَى هَذَا قَالُوا فِيمَنْ دَخَلَ مِصْرًا لِقَضَاءِ حَاجَةٍ مُعَيَّنَةٍ لَيْسَ غَيْرَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُتِمُّ، وَفِي أَسِيرٍ انْفَلَتَ مِنْهُمْ وَوَطَّنَ عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَارٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا.
(قَوْلُهُ: فَلَا يَبْطُلُ بِانْتِقَالٍ مَنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى) يَعْنِي هُمْ لَا يَقْصِدُونَ سَفَرًا بَلْ الِانْتِقَالَ مِنْ مَرْعًى إلَى مَرْعًى، وَهَذَا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ الْمُقَامُ فِي الْمَفَاوِزِ فَكَانَتْ فِي حَقِّهِمْ كَالْقُرَى فِي حَقِّ أَهْلِ الْقُرَى. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الرِّعَاءَ إذَا كَانُوا فِي تَرْحَالٍ فِي الْمَفَاوِزِ مِنْ مَسَاقِطَ إلَى مَسَاقِطِ الْغَيْثِ وَمَعَهُمْ رِحَالُهُمْ وَأَثْقَالُهُمْ كَانُوا مُسَافِرِينَ حَيْثُ نَزَلُوا مَرْعًى كَثِيرَ الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَاِتَّخَذُوا الْمَخَابِزَ وَالْمَعَالِفَ وَالْأَوَارِيَ وَالْخِيَامَ وَعَزَمُوا عَلَى إقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ يَكْفِيهِمْ، فَإِنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَجْعَلَهُمْ مُقِيمِينَ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ سَفَرِهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute