السَّفَرِ، وَوَطَنُ الْإِقَامَةِ يَبْطُلُ بِمِثْلِهِ وَبِالسَّفَرِ وَبِالْأَصْلِيِّ.
(وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ يُتِمَّ الصَّلَاةَ)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّيَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَقْتَضِي اعْتِبَارَهَا فِي مَوَاضِعَ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُعَرَّى عَنْهُ
مَا يَنْقُضُهَا، وَقِيَامُ وَطَنِهِ بِالْقَصْرِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ السَّفَرِ.
وَجْهُ رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ وَطَنَ الْإِقَامَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقْدِيمِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مِنْ الْمُقِيمِ لَغْوٌ، وَلَمْ يُوجَدْ تَقْدِيمُ السَّفَرِ فَلَمْ يَصِحَّ وَطَنُهُ بِالْقَصْرِ فَصَارَ مُسَافِرًا إلَى بَغْدَادَ انْتَهَى. وَرِوَايَةُ الْحَسَنِ تُبَيِّنُ أَنَّ السَّفَرَ النَّاقِضَ لِوَطَنِ الْإِقَامَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ مُرُورٌ عَلَى وَطَنِ الْإِقَامَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ فِيهِ بِهِ بَعْدَ سَيْرِ مُدَّةِ السَّفَرِ. وَمِثَالُهُ: فِي دِيَارِنَا قَاهِرِيٌّ خَرَجَ إلَى بُلْبَيْسٍ فَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الصَّالِحِيَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَهَا بَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقَاهِرَةِ وَيَمُرَّ بِبُلْبَيْسَ، فَعَلَى رِوَايَةِ اشْتِرَاطِ السَّفَرِ بِوَطَنِ الْإِقَامَةِ يَقْصُرُ إلَى الْقَاهِرَةِ، وَعَلَى الْأُخْرَى يُتِمُّ.
وَمِثَالُ انْتِقَاضِ وَطَنِ الْإِقَامَةِ بِمِثْلِهِ يُبَيِّنُ مَا قُلْنَا أَيْضًا، وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ خُرَاسَانِيٍّ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَنَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا شَهْرًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا إلَى الْحِيرَةِ وَنَوَى الْمُقَامَ بِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ يُرِيدُ الْعَوْدَ إلَى خُرَاسَانَ وَمَرَّ بِالْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ كَانَ وَطَنَ إقَامَةٍ، وَقَدْ انْتَقَضَ بِوَطَنِهِ بِالْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ مِثْلُهُ، وَكَذَا وَطَنُهُ بِالْحِيرَةِ انْتَقَضَ بِالسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ وَطَنُ إقَامَةٍ فَكَمَا خَرَجَ مِنْ الْحِيرَةِ عَلَى قَصْدِ خُرَاسَانَ صَارَ مُسَافِرًا وَلَا وَطَنَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ خُرَاسَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِالْحِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ بِالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخُرُوجِ إلَى الْحِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَطَنٍ مِثْلِهِ وَلَا سَفَرٍ فَيَبْقَى وَطَنُهُ بِالْكُوفَةِ كَمَا كَانَ.
وَلَوْ أَنَّ الْخُرَاسَانِيَّ ارْتَحَلَ مِنْ الْكُوفَةِ يُرِيدُ مَكَّةَ فَقَبْلَ أَنْ يَسِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَكَرَ حَاجَةً بِالْكُوفَةِ فَعَادَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ؛ لِأَنَّ وَطَنَهُ بِالْكُوفَةِ بَطَلَ بِالسَّفَرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَزَمَ عَلَى الْعَوْدِ إلَى الْوَطَنِ الْأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي بَلَغَ إلَيْهِ وَوَطَنِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ يَصِيرُ مُقِيمًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ سَفَرٍ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا فَيَقْصُرُ حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ تَرْكُ السَّفَرِ، فَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ السَّفَرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي تَرْكُ السَّفَرِ إلَى جِهَةِ قَصْدِهِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَبَقِيَ مُسَافِرًا كَمَا كَانَ.
وَفِي النَّوَادِرِ: خَرَجَ مِنْ مِصْرِهِ مُسَافِرًا ثُمَّ افْتَتَحَ لِلصَّلَاةِ فَسَبَقَهُ حَدَثٌ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَنَوَى أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ صَارَ مُقِيمًا مِنْ سَاعَتِهِ دَخَلَ مِصْرَهُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الدُّخُولِ تَرْكُ السَّفَرِ فَحَصَلَتْ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلْفِعْلِ فَصَحَّتْ، فَإِذَا دَخَلَهُ صَلَّى أَرْبَعًا، فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute