إلَّا إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ أَنْ يُقِيمَ بِاللَّيْلِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَصِيرَ مُقِيمًا بِدُخُولِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْمَرْءِ مُضَافَةٌ إلَى مَبِيتِهِ.
(وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ قَضَاهَا فِي الْحَضَرِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَنْ فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ قَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا)؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِحَسَبِ الْأَدَاءِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ آخِرُ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الْوَقْتِ.
أَنْ يَدْخُلَهُ أَنَّ الْمَاءَ أَمَامَهُ فَمَشَى إلَيْهِ فَتَوَضَّأَ صَلَّى أَرْبَعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ بِالنِّيَّةِ صَارَ مُقِيمًا، فَبِالْمَشْيِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَهُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِي حَقِّ تِلْكَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَارَنَتْ النِّيَّةُ فِعْلَ السَّفَرِ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مُسَافِرًا لَفَسَدَتْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ يَمْنَعُ عَنْهُ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّهَا تَرْكُ السَّفَرِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُهُ عَنْهُ، فَلَوْ تَكَلَّمَ حِينَ عَلِمَ أَنَّ الْمَاءَ أَمَامَهُ أَوْ أَفْسَدَ الصَّلَاةَ بِمُفْسِدٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فَتَوَضَّأَ، إنْ وَجَدَهُ فِي مَكَانِهِ صَلَّى أَرْبَعًا، وَإِنْ مَشَى أَمَامَهُ حَتَّى وَجَدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسَافِرًا ثَانِيًا بِالْمَشْيِ بِنِيَّةِ السَّفَرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْمَشْيِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ.
وَقَدْ تَكَرَّرَ لَنَا أَنَّ الْمُسَافِرَ يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ حَتَّى يُتِمَّ أَرْبَعًا، فَلْنُتْمِمْ الْكَلَامَ فِيهِ بِذِكْرِ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ فَنَقُولُ: يَصِيرُ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الرُّبَاعِيَّةِ، إلَّا إنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا فَنَوَى الْإِقَامَةَ لِتَقَرُّرِ الْفَرْضِ رَكْعَتَيْنِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَإِلَّا أَنْ يَكُونَ لَاحِقًا فَرَاغَ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ؛ لِأَنَّ اللَّاحِقَ مُقْتَدٍ حُكْمًا حَتَّى لَا يَقْرَأَ وَلَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ، فَفَرَاغُ الْإِمَامِ كَأَنَّهُ فَرَاغُهُ وَبِهِ يَسْتَحْكِمُ الْفَرْضُ وَلَمْ يَبْقَ مُحْتَمِلًا لِلتَّغَيُّرِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ، فَكَذَا فِي حَقِّ اللَّاحِقِ، بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ.
وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ تَغَيَّرَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ سَاهِيًا قَعَدَ أَوَّلًا فَنَوَاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ النِّيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ؛ لِأَنَّهُمَا نَفْلٌ فَلَا يَنُوبَانِ عَنْ الْفَرْضِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى سَجَدَ لَا يَتَغَيَّرُ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى؛ لِيَكُونَ التَّطَوُّعُ بِرَكْعَتَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَعَدَ وَبِأَرْبَعٍ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ قَعَدَ لِمَا عُرِفَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عِنْدَهُمَا، وَلَا يَضُمُّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ أَصْلِ الصَّلَاةِ بِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ مُسَافِرًا صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَتَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا أَوْ فِي إحْدَاهُمَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ نَوَاهَا قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ ثُمَّ نَوَاهَا قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ تَحَوَّلَ فَرْضُهُ أَرْبَعًا عِنْدَهُمَا وَيَقْرَأُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَضَاءً عَنْ الْأُولَيَيْنِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ، وَكَانَ الْقِيَاسُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ تَفْسُدَ لِمَا سَلَفَ لَهُ مِنْ فَسَادِهَا بِتَرْكِهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ هُنَا فَقَالَ بِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَإِنْ تُرِكَتْ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ بِعَرَضِ أَنْ تَلْحَقَهَا مَدَدُ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ فَيَقْضِي الْقِرَاءَةَ فِي الْبَاقِي فَلَا يَتَحَقَّقُ تَقَرُّرُ الْمُفْسِدِ إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ فَجْرِ الْمُقِيمِ، وَلَا يُشْكِلُ لَوْ نَوَاهَا بَعْدَ السُّجُودِ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ نَوَاهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَتَغَيَّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ أَوْ لَا؟
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ آخِرَ الْوَقْتِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي السَّبَبِيَّةِ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute