الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ فَنَزَلَ وَصَلَّى.
(وَمِنْ شَرَائِطِهَا الْجَمَاعَةُ)؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْهَا (وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَا: اثْنَانِ سِوَاهُ) قَالَ: وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَحْدَهُ. لَهُ أَنَّ فِي الْمُثَنَّى مَعْنَى الِاجْتِمَاعِ هِيَ مُنْبِئَةٌ عَنْهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الصَّحِيحَ إنَّمَا هُوَ الثَّلَاثُ؛ لِأَنَّهُ جَمْعُ تَسْمِيَةٍ وَمَعْنًى، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ عَلَى
بِالْقَطْعِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ ﷺ اخْتِيَارُ أَحَدِ الْفَرْدَيْنِ: أَعْنِي الذِّكْرَ الْمُسَمَّى بِالْخُطْبَةِ وَالْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا أَوْ سُنَّةً، لَا أَنَّهُ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ إذْ لَا يَكُونُ بَيِّنًا؛ لِعَدَمِ الْإِجْمَالِ فِي لَفْظِ الذِّكْرِ، وَقَدْ عُلِمَ وُجُوبُ تَنْزِيلِ الْمَشْرُوعَاتِ عَلَى حَسَبِ أَدِلَّتِهَا، فَهَذَا الْوَجْهُ يُغْنِي عَنْ قِصَّةِ عُثْمَانَ فَإِنَّهَا لَمْ تُعْرَفْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَهِيَ أَنَّهُ لَمَّا خَطَبَ فِي أَوَّلِ جُمُعَةٍ وَلِيَ الْخِلَافَةَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَأُرْتِجَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانَا يَعُدَّانِ لِهَذَا الْمَقَامِ مَقَالًا وَأَنْتُمْ إلَى إمَامٍ فَعَّالٍ أَحْوَجُ مِنْكُمْ إلَى إمَامٍ قَوَّالٍ، وَسَتَأْتِيكُمْ الْخُطَبُ بَعْدُ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَنَزَلَ وَصَلَّى بِهِمْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا مِنْهُمْ، إمَّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا.
وَإِمَّا عَلَى كَوْنِ نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَحْوِهَا تُسَمَّى خُطْبَةً لُغَةً وَإِنْ لَمْ تُسَمَّ بِهِ عُرْفًا، وَلِهَذَا «قَالَ ﷺ لِلَّذِي قَالَ: مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى بِئْسَ الْخَطِيبُ أَنْتَ» فَسَمَّاهُ خَطِيبًا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْكَلَامِ، وَالْخِطَابُ الْقُرْآنِيُّ إنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ اللُّغَةِ بِلُغَتِهِمْ يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي مُحَاوَرَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى غَرَضِهِمْ، فَأَمَّا فِي أَمْرٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ تَعَالَى فَيُعْتَبَرُ فِيهِ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ لُغَةً، ثُمَّ يَشْتَرِطُ عِنْدَهُ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ تُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ، فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا يُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّغُ عَنْهُ، وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ، فَلْيَكُنْ الْمُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا الْمُتَفَرِّعَةُ عَلَى الْأُخْرَى لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَا تُجْزِئُ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ وَتُجْزِئُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ صُمٌّ أَوْ نِيَامٌ أَوْ لَا يَسْمَعُونَ لِبُعْدِهِمْ وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ مُسَافِرِينَ.
[فَرْعٌ] يُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ لِقِصَّةِ عُمَرَ مَعَ عُثْمَانَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ.
(قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ سِوَى الْإِمَامِ) وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ مِمَّنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ، وَقَالَا اثْنَانِ سِوَى الْإِمَامِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَرْبَعُونَ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي حَدِيثِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ، كَمَا لَا حُجَّةَ لِمَنْ نَفَى اشْتِرَاطَ الْأَرْبَعِينَ بِأَنَّ يَوْمَ النُّفُورِ بَقِيَ مَعَهُ ﷺ اثْنَا عَشَرَ. أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّ اتِّفَاقَ كَوْنِ عَدَدِهِمْ أَرْبَعِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا يَقْتَضِي تَعَيُّنَ ذَلِكَ الْعَدَدِ شَرْعًا، وَمَا رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إمَامًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَهُ جُمُعَةً وَأَضْحَى وَفِطْرًا ضَعِيفٌ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ كَوْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute