لِرِوَايَتِهِ (وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا وَيُخْفِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا يَجْهَرُ) وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ
الصُّبْحُ، فَإِنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِهَا قَدْرَ رُمْحَيْنِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ، فَأَفَادَ أَنَّ السُّنَّةَ رَكْعَتَانِ. وَمِنْهَا مَا فُصِّلَ فَأَفَادَ تَفْصِيلُهُ أَنَّهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ كَمَا فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ وَابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَمْلُ الرَّكْعَتَيْنِ عَلَى أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعَيْنِ خُرُوجٌ عَنْ الظَّاهِرِ. لَا يُقَالُ: الرَّكْعَةُ اسْمٌ لِلْأَفْعَالِ الَّتِي آخِرُهَا السَّجْدَتَانِ وَقَبْلَهُمَا رُكُوعٌ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّا نَمْنَعُهُ؟ بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الْأَفْعَالِ الْمَخْصُوصَةِ الَّتِي هِيَ قِيَامٌ وَاحِدٌ وَقِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ وَرُكُوعٌ وَاحِدٌ وَسَجْدَتَانِ فَهُوَ مَفْهُومُهَا فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ لَا مَا اشْتَمَلَ عَلَى قِرَاءَتَيْنِ وَقِيَامَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ.
وَأَمَّا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ. وَيُقَالُ أَيْضًا لِمُجَرَّدِ الرُّكُوعِ، فَهُوَ إمَّا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَجْمُوعِ الْأَفْعَالِ الَّتِي مِنْهَا الرُّكُوعُ الْوَاحِدُ وَبَيَّنَهُ بِدَلِيلِ مَا رَوَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ «فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» وَالْمُرَادُ عِنْدَهُمْ أَرْبَعُ رُكُوعَاتٍ فَسَمَّتْ كُلَّ رُكُوعٍ رَكْعَةً. وَكَذَا مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو الَّذِي رَوَوْهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ. وَإِمَّا مَجَازٌ عُرْفِيٌّ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُمْ حَيْثُ أَرَادُوا قَيَّدُوهُ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ، وَقَوْلُهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَحَيْثُ أَرَادُوا الْأَوَّلَ أَطْلَقُوا اسْمَ الرَّكْعَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْمَجَازَ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ، فَظَهَرَ أَنَّ حَقِيقَةَ لَفْظِ رَكْعَتَيْنِ مَا كَانَ كُلُّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ وَمَجَازُهَا الْمُسْتَعْمَلُ نَفْسُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ، فَإِرَادَةُ قِيَامَيْنِ وَقِرَاءَتَيْنِ وَرُكُوعَيْنِ بَعْدَهَا سُجُودَانِ بِهَا لَيْسَ بِحَقِيقَةٍ، وَلَا مَجَازٍ ثَبَتَ اسْتِعْمَالُهُمْ لَهُ. فَإِنْ قِيلَ إمْكَانُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ يَكْفِي فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ إذَا أَوْجَبَهُ دَلِيلٌ وَقَدْ وُجِدَ وَهُوَ كَوْنُ أَحَادِيثِ الرُّكُوعَيْنِ أَقْوَى، قُلْنَا هَذِهِ أَيْضًا فِي رُتْبَتِهَا.
أَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ آخِرًا فَلَا شَكَّ، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ مِنْ حَدِيثِ النَّسَائِيّ وَأَبِي دَاوُد، وَالْبَاقِي لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَقَدْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ فَيَرْتَقِي إلَى الصَّحِيحِ، فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ حِينَئِذٍ فَكَافَأَتْ أَحَادِيثَ الرُّكُوعَيْنِ وَكَوْنُ بَعْضِ تِلْكَ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْكُلُّ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، غَايَةُ مَا فِيهِ كَثْرَةُ الرُّوَاةِ وَلَا تَرْجِيحَ عِنْدَنَا بِذَلِكَ، ثُمَّ الْمَعْنَى الَّذِي رَوَيْنَاهُ أَيْضًا فِي الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ وَالْمَعْنَى هُوَ الْمَنْظُورُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَفَرَّقَ فِي آحَادِ الْكُتُبِ وَثَنَائِهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْمُتُونِ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهَا أَقْوَى سَنَدًا فَالضَّعِيفُ قَدْ يَثْبُتُ مَعَ صِحَّةِ الطَّرِيقِ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِيهَا. فَإِنَّ أَحَادِيثَ تَعَدُّدِ الرُّكُوعِ اضْطَرَبَتْ وَاضْطَرَبَ فِيهَا الرُّوَاةُ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَى رُكُوعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَى ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ.
فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الرَّكْعَةِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ نَفْسِهِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ قَالَ «كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَأَطَالَ الْقِيَامَ حَتَّى جَعَلُوا يَخِرُّونَ، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ فَصَنَعَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» وَكَذَا أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ إنَّهَا بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَكَمَا قَدَّمْنَا عَنْهَا بِرُكُوعَيْنِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ تَقَدَّمَ عَنْهُ رِوَايَةُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ وَالرُّكُوعَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ الرُّكُوعِ الْوَاحِدِ اُخْتُلِفَ فِي تَصْحِيحِهَا، بِخِلَافِ رِوَايَةِ الرُّكُوعَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ إيهَانِ ظَنِّ الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُ.
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ ﷺ صَلَّى فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute