أَمَّا التَّطْوِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ، وَيُخَفِّفُ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدُهُمَا طَوَّلَ الْآخَرُ. وَأَمَّا الْإِخْفَاءُ وَالْجَهْرُ فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ «أَنَّهُ ﷺ جَهَرَ فِيهَا»
ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ، قَالَ: وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» وَفِي لَفْظٍ «ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ»، وَأَخْرَجَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ عَلِيٍّ بَلْ أَحَالَ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
وَرُوِيَ أَيْضًا خَمْسُ رُكُوعَاتٍ: أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي كَعْبٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِهِمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، وَفَعَلَ فِي الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو حَتَّى تَجَلَّى كُسُوفُهَا» وَأَبُو جَعْفَرٍ فِيهِ مَقَالٌ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوِتْرِ، وَالِاضْطِرَابُ مُوجِبٌ لِلضَّعْفِ فَوَجَبَ تَرْكُ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ كُلِّهَا إلَى رِوَايَاتٍ غَيْرِهَا. وَلَوْ قُلْنَا: الِاضْطِرَابُ شَمَلَ رِوَايَاتِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَوَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ صَحَّ، وَيَكُونُ مُتَضَمِّنًا تَرَجُّحَ رِوَايَاتِ الِاتِّحَادِ ضِمْنًا لَا قَصْدًا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَاتِ الطَّلَاقِ: أَعْنِي نَحْوَ قَوْلِهِ ﷺ «فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» وَعَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ الْكَثِيرِ وَفَّقَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِحَمْلِ رِوَايَاتِ التَّعَدُّدِ.
عَلَى أَنَّهُ لَمَّا أَطَالَ فِي الرُّكُوعِ أَكْثَرَ مِنْ الْمَعْهُودِ جِدًّا وَلَا يَسْمَعُونَ لَهُ صَوْتًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةٍ رَفْعَ مَنْ خَلْفَهُ مُتَوَهِّمِينَ رَفْعَهُ وَعَدَمُ سَمَاعِهِمْ الِانْتِقَالَ فَرَفَعَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي مَنْ رَفَعَ، فَلَمَّا رَأَى مَنْ خَلْفَهُ أَنَّهُ ﷺ لَمْ يَرْفَعْ فَلَعَلَّهُمْ انْتَظَرُوهُ عَلَى تَوَهُّمٍ أَنْ يُدْرِكَهُمْ فِيهِ، فَلَمَّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ رَجَعُوا إلَى الرُّكُوعِ فَظَنَّ مَنْ خَلْفَهُمْ أَنَّهُ رُكُوعٌ بَعْدَ رُكُوعٍ مِنْهُ ﷺ فَرَوَوْا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَعَلَّ رِوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ بِنَاءً عَلَى اتِّفَاقِ تَكَرُّرِ الرَّفْعِ مِنْ الَّذِي خَلْفَ الْأَوَّلِ. وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْكُسُوفُ فِي زَمَنِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَكَرَّرَ مِرَارًا عَلَى بُعْدِ أَنْ يَقَعَ نَحْوَ سِتِّ مَرَّاتٍ فِي نَحْوِ عَشْرِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ، كَانَ رَأْيُنَا أَوْلَى أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُنْقَلْ تَارِيخُ فِعْلِهِ الْمُتَأَخِّرِ فِي الْكُسُوفِ الْمُتَأَخِّرِ فَقَدْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فَوَجَبَ الْإِحْجَامُ عَنْ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ كَانَ الْمُتَعَدِّدَ عَلَى وَجْهِ التَّثْنِيَةِ أَوْ الْجَمْعِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، أَوْ كَانَ الْمُتَّحِدَ فَبَقِيَ الْمَجْزُومُ بِهِ اسْتِنَانُ الصَّلَاةِ مَعَ التَّرَدُّدِ فِي كَيْفِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْمَرْوِيَّاتِ فَيُتْرَكُ وَيُصَارُ إلَى الْمَعْهُودِ ثُمَّ يَتَضَمَّنُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ التَّرْجِيحِ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
وَالْمُصَنِّفُ رَجَّحَ بِأَنَّ الْحَالَ أَكْشَفُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ يَتِمُّ لَوْ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ الرُّكُوعَيْنِ أَحَدٌ غَيْرُ عَائِشَةَ ﵂ مِنْ الرِّجَالِ، لَكِنْ قَدْ سَمِعْت مَنْ رَوَاهُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَا صِرْنَا إلَيْهِ (قَوْلُهُ: أَمَّا التَّطْوِيلُ فَبَيَانُ الْأَفْضَلِ)؛ لِأَنَّهُ ﷺ فَعَلَهُ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَسَمُرَةَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا سَلَفَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُطَوِّلَ الْإِمَامُ بِهِمْ الصَّلَاةَ، وَلَوْ خَفَّفَهَا جَازَ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَسْنُونَ اسْتِيعَابُ الْوَقْتِ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، فَإِنَّ رِوَايَةَ أَبِي دَاوُد «فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ» يُعْطِي أَنَّهُ لَمْ يُبَالِغْ فِي التَّطْوِيلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ جَعَلَ الصَّحَابَةُ يَخِرُّونَ لِطُولِ الْقِيَامِ، إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تَمْكُثْ مَعَ مِثْلِ هَذَا الطُّولِ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ السُّنَّةَ التَّطْوِيلُ، وَالْمَنْدُوبُ مُجَرَّدُ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ كَمَا ذُكِرَ مُطْلَقًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ» إلَى أَنْ قَالَ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ»، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ كُسُوفًا فَاذْكُرُوا اللَّهَ حَتَّى تَنْجَلِيَ» (وَقَوْلُهُ فَلَهُمَا رِوَايَةُ عَائِشَةَ) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهَا قَالَتْ «جَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ» الْحَدِيثَ، وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ «جَهَرَ ﷺ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute