لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵇ صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» (وَيُصَلِّي بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَاحِدَةً)
كَوْنَهُ فِيهِمْ فَلَا تَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: لَا حُجَّةَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا لِمَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى وُجُودِ الْحُكْمِ لَزِمَ وَقَدْ قَامَ هُنَا، وَهُوَ فِعْلُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - بَعْدَ وَفَاتِهِ ﵇. انْتَهَى.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ اسْتِدْلَالَ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الشَّرْطِ؛ لِيُدْفَعَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، بَلْ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُنَافِي لَا تَجُوزُ فِي الشَّرْعِ ثُمَّ إنَّهُ أَجَازَهَا فِي صُورَةٍ بِشَرْطٍ فَعِنْدَ عَدَمِهِ تَبْقَى عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَدَمِ الشَّرْعِيَّةِ لَا أَنَّ عَدَمَ الشَّرْعِيَّةِ عِنْدَ عَدَمِهِ مَدْلُولٌ لِلتَّرْكِيبِ الشَّرْطِيِّ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ أَنَّ الْأَصْلَ كَمَا انْتَفَى بِالْآيَةِ حَالَ كَوْنِهِ فِيهِمْ كَذَلِكَ انْتَفَى بَعْدَهُ بِفِعْلِ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَدَلَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى عِلْمِهِمْ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِهَا بِحَالِ كَوْنِهِ فِيهِمْ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد: أَنَّهُمْ غَزَوْا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ فَصَلَّى بِنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّاهَا يَوْمَ صَفِّينَ، وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ بِأَصْبَهَانَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي حَرْبِ الْمَجُوسِ بِطَبَرِسْتَانَ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَسَأَلَهَا سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَعَلَّمَهُ فَأَقَامَهَا.
وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ؛ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَقُومُ الْإِمَامُ» الْحَدِيثَ. فَالصِّيغَتَانِ فِي الْحَدِيثَيْنِ صِيغَةُ الْفَتْوَى لَا إخْبَارَ عَمَّا كَانَ ﵇ فَعَلَ وَإِلَّا لَقَالَا: قَامَ ﵇ فَصَفَّ خَلْفَهُ إلَخْ دُونَ أَنْ يَقُولَ يَقُومُ الْإِمَامُ، وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْأَوَّلِ: قَالَ نَافِعٌ: لَا أَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي الثَّانِي: سَأَلْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدَّثَنِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَمْ يَرْفَعْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَرَفَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِمَا رَوَيْنَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ أَخْبَرَ بِمَا رَوَى عَنْهُ ﵇ ثُمَّ يَقُومُ لَا تُصَلَّى بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ صَلَّى الظُّهْرَ بِالطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ») أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ ﷺ فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute