فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ» وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ (فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ، وَالثَّوْبَانِ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ) وَهَذَا كَفَنُ الْكِفَايَةِ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: اغْسِلُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، وَلِأَنَّهُ أَدْنَى لِبَاسِ
النَّبِيُّ ﷺ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصٍ، وَإِزَارٍ، وَلِفَافَةٍ» فَهُوَ ضَعِيفٌ بِنَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، وَلَيَّنَهُ النَّسَائِيّ، ثُمَّ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لَا يُوَازِي حَدِيثَ عَائِشَةَ. وَمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كُفِّنَ فِي حُلَّةٍ يَمَانِيَةٍ وَقَمِيصٍ» مُرْسَلٌ، وَالْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَنَا لَكُمْ مَا وَجْهُ تَقْدِيمِهِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُعَادَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِحَدِيثِ الْقَمِيصِ بِسَبَبِ تَعَدُّدِ طُرُقِهِ مِنْهَا الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَا. وَمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ مُرْسَلًا. وَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ: قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ» وَهُوَ مُضَعَّفٌ بِيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ. ثُمَّ تَرَجَّحَ بَعْدَ الْمُعَادَلَةِ بِأَنَّ الْحَالَ فِي تَكْفِينِهِ أَكْشَفُ لِلرِّجَالِ ثُمَّ الْبَحْثُ وَإِلَّا فَفِيهِ تَأَمُّلٌ. وَقَدْ ذَكَرُوا «أَنَّهُ ﵊ غُسِّلَ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ» فَكَيْفَ يُلْبِسُونَهُ الْأَكْفَانَ فَوْقَهُ وَفِيهِ بَلَلُهَا؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَالْحُلَّةُ فِي عُرْفِهِمْ مَجْمُوعُ ثَوْبَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ، وَلَيْسَ فِي الْكَفَنِ عِمَامَةٌ عِنْدَنَا، وَاسْتَحْسَنَهَا بَعْضُهُمْ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ وَأَحَبُّهَا الْبَيَاضُ وَلَا بَأْسَ بِالْبُرُودِ وَالْعَصَبِ وَالْكَتَّانِ لِلرِّجَالِ، وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا لِلْكَفَنِ بِاللِّبَاسِ فِي الْحَيَاةِ وَالْمُرَاهِقُ فِي التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ، وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ
(قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ) أَيْ عَدَدَ الثَّلَاثِ أَكْثَرُ مَا يَلْبَسُهُ عَادَةً فِي حَيَاتِهِ فَكَذَا بَعْدَ مَمَاتِهِ، فَأَفَادَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ ثَلَاثَةٌ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ الرَّجُلُ ثَلَاثَةٌ غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ. وَقَدْ يُقَالُ: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ سِوَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ هُوَ لَابِسُهَا لَيْسَ غَيْرُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ يُعْطَى لِرَبِّ الدَّيْنِ ثَوْبٌ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَكْثَرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ الْمَسْنُونُ، وَقَدْ قَالُوا: إذَا كَانَ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ فَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى مِنْ كَفَنِ الْكِفَايَةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كَفَنَ الْكِفَايَةِ وَهُوَ الثَّوْبَانِ جَائِزٌ فِي حَالَةِ السَّعَةِ، فَفِي حَالِ عَدَمِهَا وَوُجُودِ الدَّيْنِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعْدَلَ عَنْهُ تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهُوَ الدَّيْنُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ، لَكِنَّهُمْ سَطَّرُوا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِلدَّيْنِ كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ إذَا أَفْلَسَ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ هُوَ لَابِسُهَا لَا يُنْزَعُ عَنْهُ شَيْءٌ فَيُبَاعُ وَلَا يَبْعُدُ الْجَوَابُ
(قَوْلُهُ فَإِنْ اقْتَصَرُوا عَلَى ثَوْبَيْنِ جَازَ) إلَّا أَنَّهُ كَانَ بِالْمَالِ قِلَّةٌ وَبِالْوَرَثَةِ كَثْرَةٌ فَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَى الْقَلْبِ كَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى، وَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَقَلُّ مَا يَجُوزُ عِنْدَ الِاخْتِيَارِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِحَسَبِ مَا يُوجَدُ
(قَوْلُهُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ) رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: لَمَّا اُحْتُضِرَ ﵁ تَمَثَّلَتْ بِهَذَا الْبَيْتِ:
أَعَاذِلُ مَا يُغْنِي الثَّرَاءُ عَنْ الْفَتَى … إذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
فَقَالَ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ قُولِي ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ ثُمَّ اُنْظُرُوا ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَاغْسِلُوهُمَا ثُمَّ كَفِّنُونِي فِيهِمَا فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ كَانَ يُمْرَضُ فِيهِمَا: اغْسِلُوهُمَا وَكَفِّنُونِي فِيهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا نَشْتَرِي لَك جَدِيدًا؟ قَالَ لَا، الْحَيُّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ ". وَفِي الْفُرُوعِ: الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ سَوَاءٌ فِي الْكَفَنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute