للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهِ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ بِهِ الْقَاضِي لِمَا قُلْنَا

كَالتَّأَوِّي، فَلِذَا لَمْ تَجِبْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ الْآبِقِ وَإِنَّمَا جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ تَعْتَمِدُ مُجَرَّدَ الْمِلْكِ، وَبِالْإِبَاقِ وَالْكِتَابَةِ لَا يَنْقُصُ الْمِلْكُ أَصْلًا، بِخِلَافِ مَالِ ابْنِ السَّبِيلِ لِثُبُوتِ التَّقْدِيرِيِّ فِيهِ لِإِمْكَانِ التَّحْقِيقِيِّ إذَا وَجَدَ نَائِبًا

(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ تَجِبُ الزَّكَاةُ) وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَهُوَ: أَيْ الدَّيْنُ نِصَابٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ حَالَ كَوْنِ مُسَمَّى الدَّيْنِ فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ إذَا قُبِضَ زَكَاةً لِمَا مَضَى وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ الدَّيْنِ.

وَلْنُوضِحْ ذَلِكَ إذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ فَنَقُولُ: قَسَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: قَوِيٌّ وَهُوَ بَدَلُ الْقَرْضِ وَمَالِ التِّجَارَةِ، وَمُتَوَسِّطٌ وَهُوَ بَدَلُ مَالٍ لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ كَثَمَنِ ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَعَبْدِ الْخِدْمَةِ وَدَارِ السُّكْنَى، وَضَعِيفٌ وَهُوَ بَدَلُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ كَالْمَهْرِ وَالْوَصِيَّةِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالدِّيَةِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ.

فَفِي الْقَوِيُّ تَجِبُ الزَّكَاةُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ وَيَتَرَاخَى الْأَدَاءُ إلَى أَنْ يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَفِيهَا دِرْهَمٌ وَكَذَا فِيمَا زَادَ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي الْمُتَوَسِّطِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَتُعْتَبَرُ لِمَا مَضَى مِنْ الْحَوْلِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ، وَفِي الضَّعِيفِ لَا تَجِبُ مَا لَمْ يَقْبِضْ نِصَابًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ عَلَيْهِ، وَثَمَنُ السَّائِمَةِ كَثَمَنِ عَبْدِ الْخِدْمَةِ.

وَلَوْ وَرِثَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْوَسَطِ، وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ كَالضَّعِيفِ. وَعِنْدَهُمَا الدُّيُونُ كُلُّهَا سَوَاءٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكُلَّمَا قَبَضَ شَيْئًا زَكَّاهُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إلَّا دَيْنَ الْكِتَابَةِ وَالسِّعَايَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَا الدِّيَةَ أَيْضًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِهَا وَأَرْشَ الْجِرَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَيْنٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَلِذَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِطَرِيقِ الصِّلَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْأَصْلُ أَنَّ الْمُسَبَّبَاتِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ. وَلَوْ أَجَرَ عَبْدَهُ أَوْ دَارِهِ بِنِصَابٍ إنْ لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَحُلْ الْحَوْلُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَا لِلتِّجَارَةِ كَانَ حُكْمُهُ كَالْقَوِيِّ لِأَنَّ أُجْرَةَ مَالِ التِّجَارَةِ كَثَمَنِ مَالِ التِّجَارَةِ فِي صَحِيحِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ ابْتِدَاءً أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ، ابْتِدَاءٌ يَتَّصِلُ بِمَلِيءٍ وَبِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ بِالْمُعْسِرِ.

وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ مَا عَلَى الْمُعْسِرِ لَيْسَ نِصَابًا لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ، فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِوَاسِطَةِ التَّحْصِيلِ دَفْعٌ لَهُ (قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى جَاحِدٍ وَعَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِهِ) يَعْنِي يَكُونُ نِصَابًا.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ مَعَ عِلْمِ الْقَاضِي يَكُونُ نِصَابًا، وَفِيمَا إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ وَلَمْ يُقِمْهَا حَتَّى مَضَتْ سُنُونَ لَا يَكُونُ نِصَابًا، وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى خِلَافِهِ. وَفِي الْأَصْلِ لَمْ يَجْعَلْ الدَّيْنَ نِصَابًا وَلَمْ يُفَصِّلْ. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: الصَّحِيحُ جَوَابُ الْكِتَابِ، إذْ لَيْسَ كُلُّ قَاضٍ يَعْدِلُ وَلَا كُلُّ بَيِّنَةٍ تَعْدِلُ، وَفِي الْجُثُوِّ بَيْنَ يَدَيْ الْقُضَاةِ ذُلٌّ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَخْتَارُ ذَلِكَ فَصَارَ فِي هَذَيْنِ الْبَيِّنَةُ، وَعِلْمُ الْقَاضِي شُمُولُ الْعَدَمِ وَشُمُولُ الْوُجُوبِ وَالتَّفْصِيلِ، وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>