وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفْلِسٍ فَهُوَ نِصَابٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَجِبُ لِتَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ عِنْدَهُ بِالتَّفْلِيسِ. وَأَبُو يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي حُكْمِ الزَّكَاةِ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ.
(وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِلتِّجَارَةِ وَنَوَاهَا لِلْخِدْمَةِ بَطَلَتْ عَنْهَا الزَّكَاةُ) لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ وَهُوَ تَرْكُ التِّجَارَةِ (وَإِنْ نَوَاهَا لِلتِّجَارَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ حَتَّى يَبِيعَهَا فَيَكُونَ فِي ثَمَنِهَا زَكَاةٌ) لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَتَّصِلْ بِالْعَمَلِ إذْ هُوَ لَمْ يَتَّجِرْ فَلَمْ تُعْتَبَرْ، وَلِهَذَا يَصِيرُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَلَا يَصِيرُ الْمُقِيمُ مُسَافِرًا إلَّا بِالسَّفَرِ
الْمَدْيُونُ يُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَكُنْ نِصَابًا، وَلَوْ كَانَ مُقِرًّا فَلَمَّا قَدَّمَهُ إلَى الْقَاضِي جَحَدَ وَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَمَضَى زَمَانٌ فِي تَعْدِيلِ الشُّهُودِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ مِنْ يَوْمِ جَحَدَ إلَى أَنْ عَدَلُوا لِأَنَّهُ كَانَ جَاحِدًا وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فِيمَا كَانَ مُقِرًّا قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَهَذَا إنَّمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى اخْتِيَارِ الْإِطْلَاقِ فِي الْمَجْحُودِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ تَفْلِيسَ الْقَاضِي إلَخْ) يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ مُفَلِّسٍ بِالتَّشْدِيدِ فِي قَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ عَلَى مُقِرٍّ مُفَلِّسٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيلُهُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ الْمُفْلِسَ بِالتَّخْفِيفِ وَأَعْطَى حُكْمَهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مُقِرٍّ مَلِيءٍ أَوْ مُعْسِرٍ إذْ الْمُعْسِرُ هُوَ الْمُفْلِسُ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ فَلَّسَهُ الْقَاضِي.
وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا عَلَى الْمُقِرِّ الْمُفْلِسِ بِالتَّخْفِيفِ لَيْسَ بَيْنَهُمْ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ نِصَابٌ، وَلَمْ يَشْرُطْ الطَّحَاوِيُّ التَّفْلِيسَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَقَوْلِ الْمَحْبُوبِيِّ: لَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ مُقِرًّا مُفْلِسًا فَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا مَضَى إذَا قَبَضَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ فَلَّسَهُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا مَضَى بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ التَّفْلِيسَ يَتَحَقَّقُ فَيَصِيرُ الدَّيْنُ تَاوِيًا بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ الْمُفْلِسِ مِثْلُهُ فِي الْمَلِيءِ يُوَافِقُ نَافِيَ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ ﵀ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَخْ) وَقِيلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ، وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ مَعَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَحَقُّقِ الْإِفْلَاسِ (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْفُقَرَاءِ) هَذَا مِنْ الْقَضَايَا الْمُسَلَّمَةِ الْمَسْكُوتِ عَنْ النَّظَرِ فِيهَا مَعَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْوَجْهِ أَصْلًا، إذْ بِمُجَرَّدِ رِعَايَةِ الْفُقَرَاءِ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا لِلْحُكْمِ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالَ، فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَتَأَتَّى فِيهِ رِعَايَتُهُمْ، وَكَمْ مِنْ مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ فِيهِ فَلَا يَثْبُتُ إيجَابٌ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ.
فَالْأَوْلَى مَا قِيلَ إنَّ التَّفْلِيسَ وَإِنْ تَحَقَّقَ لَكِنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ وَهِيَ وَالْمَطَالِبُ بَاقِيَانِ حَتَّى كَانَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ حَقُّ الْمُلَازَمَةِ فَبَقَاءُ الْمُلَازَمَةِ دَلِيلُ بَقَاءِ الدَّيْنِ عَلَى حَالِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى
(قَوْلُهُ لِاتِّصَالِ النِّيَّةِ بِالْعَمَلِ) حَاصِلُ هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَمَا كَانَ مِنْ التُّرُوكِ كَفَى فِيهِ مُجَرَّدُهَا فَالتِّجَارَةُ مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ النِّيَّةِ بِخِلَافِ تَرْكِهَا، وَنَظِيرُهُ السَّفَرُ وَالْفِطْرُ وَالْإِسْلَامُ وَالْإِسَامَةُ لَا يَثْبُتُ وَاحِدٌ مِنْهَا إلَّا بِالْعَمَلِ، وَتَثْبُتُ أَضْدَادُهَا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا وَلَا مُفْطِرًا وَلَا مُسْلِمًا وَلَا الدَّابَّةُ سَائِمَةً بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَلْ بِالْعَمَلِ، وَيَصِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute