للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالنَّذْرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ كَمَا فِي الْهَدَايَا وَالضَّحَايَا. وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ إلَى الْفَقِيرِ إيصَالًا لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ إلَيْهِ فَيَكُونُ إبْطَالًا لِقَيْدِ الشَّاةِ

وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْقِيمَةِ، وَعَلَى مَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقَفِيزِ دَقَلٍ فَتَصَدَّقَ بِنِصْفِهِ جَيِّدًا يُسَاوِي تَمَامَهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْجُودَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا هُنَا لِلرِّبَوِيَّةِ وَالْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ، بِخِلَافِ جِنْسٍ آخَرَ لَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ قَفِيزٍ مِنْهُ يُسَاوِيهِ جَازَ الْكُلُّ مِنْ الْكَافِي (قَوْلُهُ وَالنَّذْرِ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَذَا الدِّينَارِ فَتَصَدَّقَ بِعَدْلِهِ دَرَاهِمَ أَوْ بِهَذَا الْخُبْزِ فَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ اتِّبَاعًا لِلْمَنْصُوصِ) وَهُوَ اسْمُ الشَّاةِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ وَالتَّبِيعُ إلَى آخِرِهَا.

(قَوْلُهُ وَلَنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَدَاءِ) أَيْ أَدَاءِ الشَّاةِ وَغَيْرِهَا لِغَرَضِ إيصَالِ الرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ أَرْزَاقَ الْكُلِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ سَبَّبَ لَهُ سَبَبًا كَالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَهُ عَنْ الْأَسْبَابِ ثُمَّ أَمَرَ الْأَغْنِيَاءَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا، فَعُرِفَ قَطْعًا أَنَّ ذَلِكَ إيصَالٌ لِلرِّزْقِ الْمَوْعُودِ لَهُمْ وَابْتِلَاءٌ لِلْمُكَلَّفِ بِهِ بِالِامْتِثَالِ لِيَظْهَرَ مِنْهُ مَا عَلِمَهُ تَعَالَى مِنْ الطَّاعَةِ أَوْ الْمُخَالَفَةِ فَيُجَازِيَ بِهِ فَيَكُونَ الْأَمْرُ بِصَرْفِ الْمُعَيَّنِ مَصْحُوبًا بِهَذَا الْغَرَضِ مَصْحُوبًا بِإِبْطَالِ الْقَيْدِ وَمُفِيدٌ أَنَّ الْمُرَادَ قَدْرُ الْمَالِيَّةِ إذْ أَرْزَاقُهُمْ مَا انْحَصَرَتْ فِي خُصُوصِ الشَّاةِ بَلْ لِلْإِنْسَانِ حَاجَاتٌ مُخْتَلِفَةُ الْأَنْوَاعِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ إبْطَالَ النَّصِّ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ إبْطَالَ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الشَّاةِ يَنْفِي غَيْرَهَا مِمَّا هُوَ قَدْرُهَا فِي الْمَالِيَّةِ، ثُمَّ هُوَ لَيْسَ بِالتَّعْلِيلِ بَلْ مَجْمُوعُ نَصَّيْ الْوَعْدِ بِالرِّزْقِ وَالْأَمْرِ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَوْعُودِ بِهِ مِمَّا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ مِنْهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّك إذَا سَمِعْت قَوْلَ الْقَائِلِ يَا فُلَانُ مُؤْنَتُك عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا فُلَانُ أَعْطِهِ مِنْ مَالِي عِنْدَك مِنْ كُلٍّ كَذَا كَذَا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ فَهْمِك مِنْ مَجْمُوعِ وَعْدِ ذَاكَ وَأَمْرِ الْآخِرِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ الْإِنْجَازَ الْوَعْدُ فَيَكُونُ جَوَازُ الْقِيمَةِ مَدْلُولًا الْتِزَامِيًّا لِمَجْمُوعِ مَعْنَى النَّصَّيْنِ لِانْتِقَالِ الذِّهْنِ عِنْدَ سَمَاعِهِمَا مِنْ مَعْنَاهُمَا إلَى ذَلِكَ فَيَكُونُ مَدْلُولًا لَا تَعْلِيلًا، عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَعْلِيلًا لَمْ يَكُنْ مُبْطِلًا لِلْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ بَلْ تَوْسِعَةً لِمَحَلِّ الْحُكْمِ، فَإِنَّ الشَّاةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّعْلِيلِ مَحَلٌّ لِلدَّفْعِ، كَمَا أَنَّ قِيمَتَهَا مَحَلٌّ أَيْضًا وَلَيْسَ التَّعْلِيلُ حَيْثُ كَانَ إلَّا لِتَوْسِعَةِ الْمَحَلِّ.

ثُمَّ قَدْ رَأَيْنَا فِي الْمَنْقُولِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَمَنْ تَكُونُ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْجَذَعَةُ وَعِنْدَهُ الْحِقَّةُ فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَعَ شَاتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>