فَصَارَ كَالِاسْتِهْلَاكِ. وَلَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ فَيَسْقُطُ بِهَلَاكِ مَحَلِّهِ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَالْمُسْتَحِقُّ فَقِيرٌ يُعِينُهُ الْمَالِكُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الطَّلَبُ، وَبَعْدَ طَلَبِ
الْفَوْرِ، فَإِذَا تَمَكَّنَ وَلَمْ يُؤَدِّ صَارَ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ النِّصَابَ وَكَالْمُودَعِ إذَا طُولِبَ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ يَرُدَّهَا حَتَّى هَلَكَتْ (قَوْلُهُ وَلَنَا) الْحَاصِلُ أَنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكُ شَطْرٍ مِنْ النِّصَابِ ابْتِدَاءً، وَمَنْ أُمِرَ بِتَمْلِيكِ مَالٍ مَخْصُوصٍ كَمَنْ قِيلَ لَهُ تَصَدَّقْ بِمَا لِي عِنْدَك فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى هَلَكَ لَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ وَلَا إقَامَةُ مَالٍ آخَرَ مَقَامَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى مُسْتَحِقٍّ يَدًا وَلَا مِلْكًا لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ فَقِيرٌ بِعَيْنِهِ لَا فَقِيرٌ يَطْلُبُ بِنَفْسِهِ، وَفِي الِاسْتِهْلَاكِ وُجِدَ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَانٍ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الْمُطْلَقَةَ تُجَوِّزُ التَّرَاخِيَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ هُوَ بِحَقٍّ، فَتَعَدِّيهِ بِالتَّأْخِيرِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ إهْلَاكِ الْمَالِ وَلَا سَبَبًا لَهُ، فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَمْ يُوضَعْ لِلْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ جُزْءٌ مِنْ النِّصَابِ تَحْقِيقًا لِلتَّيْسِيرِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ لَمَّا وَجَبَتْ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ مِنْ بَعْضِ الْأَمْوَالِ لَا مِنْ كُلِّ مَالٍ، بَلْ مِمَّا بِحَيْثُ يَنْمُو لِيَنْجَبِرَ الْمُؤَدِّي بِالنَّمَاءِ.
وَشُرِطَ مَعَ ذَلِكَ الْحَوْلُ تَحْقِيقًا لِقَصْدِ النَّمَاءِ كَانَتْ وَاجِبَةً بِصِفَةِ الْيُسْرِ، وَالْحَقُّ مَتَى وَجَبَ بِصِفَةٍ لَا يَبْقَى إلَّا بِتِلْكَ الصِّفَةِ، وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِأَنْ يُعْتَبَرَ الْوَاجِبُ أَدَاءَ جُزْءٍ مِنْ هَذِهِ النِّعْمَةِ غَيْرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ فَيَسْقُطَ بِهَلَاكِهِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَالْقَوْلُ بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بَعْدَ هَلَاكِهِ يُحِيلُهُ إلَى صِفَةِ الْعُسْرِ فَلَا يَكُونُ الْبَاقِي ذَلِكَ الَّذِي وَجَبَ بَلْ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَاجِبَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ جُزْءٌ مِنْهَا وَالشَّاةُ تَقْدِيرُ مَالِيَّتِهِ لِعُسْرِ نَحْرِ أَحَدِهَا لِيُعْطِيَ بَعْضَهَا، بَلْ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ رُبْعَ عُشْرٍ كُلَّهَا تَوَقَّفَ تَحْقِيقُهُ عَلَى نَحْرِ كُلِّهَا، وَفِيهِ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى ثُمَّ الظَّوَاهِرُ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِثْلُ قَوْلِهِ ﵊ «هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ».
وَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْبَقَرِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ ﷺ إلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» (قَوْلُهُ كَدَفْعِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ يَسْقُطُ) فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute