الْجُرْحِ، وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ
(وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ النِّصَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصْلُ فِي السَّبَبِيَّةِ وَالزَّائِدُ عَلَيْهِ تَابِعٌ لَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فِي يَدِ السَّاعِي صَارَتْ زَكَاةً كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّ قِيَامَهَا فِي يَدِهِ كَقِيَامِهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ.
وَلَوْ كَانَ السَّاعِي أَخَذَهَا مِنْ عِمَالَتِهِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ جَعَلَهَا الْإِمَامُ لَهُ عِمَالَةً فَتَمَّ الْحَوْلُ وَعِنْدَ الْمَالِكِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَالْمُعَجَّلُ قَائِمٌ فِي يَدِ السَّاعِي فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ. وَيَسْتَرِدُّهَا لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهَا مِنْ الْعِمَالَةِ زَالَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ بِسَبَبٍ فَاسِدٍ، فَإِنْ كَانَ السَّاعِي بَاعَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا بَاعَ جَازَ بَيْعُهُ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا لِلْمَالِكِ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لَهُ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ.
فَإِنْ قُلْت: لِمَ كَانَ هَذَا الِاخْتِلَافُ، قُلْت: لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْمُعَجِّلِ بِذَلِكَ السَّبَبِ فَحِينَ تَمَّ الْحَوْلُ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالْقِيمَةِ وَالسَّائِمَةُ لَا يَكْمُلُ نِصَابُهَا بِالدَّيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا، هَذَا وَمَهْمَا تَصَدَّقَ السَّاعِي مِمَّا عَجَّلَ مِنْ نَقْدٍ أَوْ سَائِمَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، بَلْ إمَّا أَنْ يَقَعَ نَفْلًا إنْ لَمْ يَكْمُلْ. أَوْ بَعْضُهُ إنْ كَانَ عَنْ نُصُبٍ فِي يَدِهِ فَهَلَكَ بَعْضُهَا أَوْ قَرْضًا أَوْ بَعْدَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ. كَمَا لَوْ انْتَقَضَ النِّصَابُ ضَمِنَ عَلِمَ أَوْ لَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ إلَّا إنْ عَلِمَ بِالِانْتِقَاصِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ نَهَاهُ بَعْدَ الْحَوْلِ ضَمِنَ عِنْدَ الْكُلِّ وَقَبْلَهُ لَا (قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ مَالِكٍ) هُوَ يَقُولُ الزَّكَاةُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ وَلَا إسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ، وَصَارَ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إذْ السَّبَبُ هُوَ النِّصَابُ الْحَوْلِيُّ وَلَمْ يُوجَدْ. قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الزَّائِدِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّصَابِ جُزْءًا مِنْ السَّبَبِ بَلْ هُوَ النِّصَابُ فَقَطْ. وَالْحَوْلُ تَأْجِيلٌ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ. وَتَعْجِيلُ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ، فَالْأَدَاءُ بَعْدَ النِّصَابِ كَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَصَوْمِ الْمُسَافِرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ، بِخِلَافِ الْعُشْرِ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ السَّبَبِ، إذْ السَّبَبُ فِيهِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، فَمَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْفِعْلِ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبَبُ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ﵁ «أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ» وَلَوْ سَلِمَ مَا ذُكِرَ فَصِفَةُ الْحَوْلِيِّ تَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الْحَوْلِ لِأَنَّهُ مَا حَالَ عَلَيْهِ.
وَالْحَوْلُ اسْمٌ لِأَوَّلِهِ إلَى آخِرٍ، فَفِي أَوَّلِهِ يَثْبُتُ جُزْءٌ مِنْ السَّبَبِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مِثْلِهِ عِنْدَ وُجُودِ جُزْئِهِ إذَا كَانَ الْبَاقِي مُتَرَقَّبًا وَاقِعًا ظَاهِرًا كَالتَّرَخُّصِ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ قَدْ يُقَالُ عَلَى مَا أَوْرَدْنَاهُ فِيمَا غَيْرُ عِلَّةِ الرُّخْصَةِ قَصْدُ أَقَلِّ السَّفَرِ آخِذًا فِيهِ لَا وُجُودَ أَقَلِّهِ فَالتَّرَخُّصُ فِي ابْتِدَائِهِ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ، عَلَى أَنَّا لَا نَجْزِمُ بِوُقُوعِ الْمُعَجَّلِ زَكَاةً فِي الْحَالِّ بَلْ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ، فَإِنْ تَمَّ وَالنِّصَابُ كَامِلٌ تَبَيَّنَ ذَلِكَ وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ نَفْلًا
(قَوْلُهُ وَيَجُوزُ التَّعْجِيلُ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُمِائَةٍ فَعَجَّلَ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ ظَانًّا أَنَّهَا فِي مِلْكِهِ لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ الزِّيَادَةَ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَوْ حَالَ عَلَى مِائَتَيْنِ فَأَدَّى خَمْسَةً وَعَجَّلَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَفَادَ عَشْرَةً جَازَ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ الْمُعَجَّلُ عَنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَّ الْحَوْلُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فَانْتَقَصَ النِّصَابُ فَقَدْ وُجِدَ الْحَوْلُ الثَّانِي وَالنِّصَابُ مُنْتَقِصٌ.
قُلْنَا: الْوُجُوبُ يُقَارِنُ دُخُولَ الْحَوْلِ الثَّانِي فَيَكُونُ الِانْتِقَاصُ بَعْدَهُ فَلَمْ يَمْقَعْ انْعِقَادَ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ لِنُصُبٍ إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ نِصَابٌ وَاحِدٌ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا عَمَّا فِي مِلْكِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ