للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ) لِقَوْلِهِ فِيهَا «يُقَوِّمُهَا فَيُؤَدِّي مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ»، وَلِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلِاسْتِنْمَاءِ بِإِعْدَادِ الْعَبْدِ فَأَشْبَهَ الْمُعَدَّ بِإِعْدَادِ الشَّرْعِ، وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ لِيَثْبُتَ الْإِعْدَادُ، قَالَ

أَوْ غَيْرَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ السَّائِمَةَ الْمَنْوِيَّةَ لِلتِّجَارَةِ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةُ التِّجَارَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ السَّائِمَةِ كَالْإِبِلِ أَوْ لَا كَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، فَالصَّوَابُ اعْتِبَارُهَا هُنَا جَمْعَ عَرْضٍ بِالسُّكُونِ عَلَى تَفْسِيرِ الصِّحَاحِ فَتَخْرُجُ النُّقُودُ فَقَطْ لَا عَلَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ وَإِيَّاهُ عَنَى فِي النِّهَايَةِ بِقَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ فَرَّعَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ كَائِنَةً مَا كَانَتْ) كَائِنَةً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَلَفْظُ مَا مَوْصُولٌ خَبَرُهَا وَاسْمُهَا الْمُسْتَتِرُ فِيهَا الرَّاجِعُ إلَى عُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَكَانَتْ صِلَةُ مَا وَاسْمُهَا الْمُسْتَتِرُ الرَّاجِعُ إلَى الْعُرُوضِ أَيْضًا، وَخَبَرُهَا مَحْذُوفٌ وَهُوَ الْمَنْصُوبُ الْعَائِدُ عَلَى الْمَوْصُولِ تَقْدِيرُهُ كَائِنَةً أَوْ كَانَتْ إيَّاهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْأَوْلَى فِي هَذَا الضَّمِيرِ مِنْ وَصْلِهِ أَوْ فَصْلِهِ، وَالْمَعْنَى: كَائِنَةً الَّذِي كَانَتْ إيَّاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ، وَاَلَّذِي عَامٌّ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: كَائِنَةً أَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ إيَّاهُ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ " يُقَوِّمُهَا " إلَخْ) غَرِيبٌ

وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ، فَمِنْ الْمَرْفُوعَةِ: مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي يُعَدُّ لِلْبَيْعِ» اهـ. سَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ، وَهَذَا تَحْسِينٌ مِنْهُمَا، وَصَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ إسْنَادَهُ حَسَنٌ، وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِهِ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ وَلَا يُعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إلَّا جَعْفَرُ بْنُ سَعْدٍ وَلَيْسَ جَعْفَرُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لَا يَخْرُجُ حَدِيثُهُ عَنْ الْحَسَنِ، فَإِنَّ نَفْيَ الشُّهْرَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْجَهَالَةِ وَلِذَلِكَ رَوَى هُوَ نَفْسُهُ حَدِيثَهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ «مَنْ كَتَمَ غَالًّا فَهُوَ مِثْلُهُ» عَنْ خُبَيْبِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَسَكَتَ عَنْهُ، وَهَذَا تَصْحِيحٌ مِنْهُ، وَبِهَذَا تَعَقَّبَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ. وَمِنْهَا فِي الْمُسْتَدْرِكِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ «فِي الْإِبِلِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْغَنَمِ صَدَقَتُهَا وَفِي الْبَزِّ صَدَقَتُهُ، وَمَنْ رَفَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ تِبْرًا أَوْ فِضَّةً لَا يَعُدُّهَا لِغَرِيمٍ وَلَا يُنْفِقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ. وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ بِأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، وَتَرَدَّدَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ فِي أَنَّهُ بِالزَّايِ أَوْ الرَّاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رَآهُ فِي أَصْلٍ مِنْ نُسَخِ الْمُسْتَدْرَكِ بِضَمِّ الْبَاءِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى زَكَاةِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ أَنَّهُ بِالزَّايِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ صَحَّفَهُ بِالرَّاءِ وَضَمِّ الْبَاءِ اهـ وَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَفِي رِوَايَةٍ «وَفِي الْبَزِّ صَدَقَةٌ» قَالَهَا بِالزَّايِ هَكَذَا مُصَرِّحًا فِي الرِّوَايَةِ غَيْرَ أَنَّهَا ضُعِّفَتْ (قَوْلُهُ وَتُشْتَرَطُ نِيَّةُ التِّجَارَةِ) لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ خِلْقَةً فَلَا يَصِيرُ لَهَا إلَّا بِقَصْدِهَا فِيهِ، وَذَلِكَ هُوَ نِيَّةُ التِّجَارَةِ، فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا مَثَلًا لِلْخِدْمَةِ نَاوِيًا بَيْعَهُ إنْ وَجَدَ رِبْحًا لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَلَوْ اشْتَرَى أَرْضًا خَرَاجِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا الْخَرَاجُ لَا الزَّكَاةُ، وَلَوْ كَانَتْ عُشْرِيَّةً فَزَرَعَهَا حَكَى صَاحِبُ الْإِيضَاحِ أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْعُشْرُ وَالزَّكَاةُ، وَعِنْدَهُمَا الْعُشْرُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي الْأَصْلِ تُعْتَبَرُ ثَابِتَةً فِي بَدَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَخْصُهَا فِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>