(يُقَوِّمُهَا بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ) احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْفُقَرَاءِ قَالَ ﵁: وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْأَصْلِ خَيَّرَهُ لِأَنَّ الثَّمَنَيْنِ فِي تَقْدِيرِ قِيَمِ الْأَشْيَاءِ بِهِمَا سَوَاءٌ، وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا تَبْلُغُ نِصَابًا.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ
وَهُوَ مِمَّا يُلْغَزُ فَيُقَالُ عَرْضٌ اُشْتُرِيَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التِّجَارَةِ يَجِبُ عِنْدَ الْحَوْلِ تَقْوِيمُهُ وَزَكَاتُهُ وَهُوَ مَا قُوِّضَ بِهِ مَالُ التِّجَارَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَدَلِ حُكْمُ الْأَصْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ بِنِيَّةِ عَدَمِهَا، وَعَنْ هَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ لِلتِّجَارَةِ فَقَتَلَهُ عَبْدٌ خَطَأً وَدَفَعَ بِهِ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَصُولِحَ مِنْ الْقِصَاصِ عَلَى الْقَاتِلِ لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْقِصَاصِ لَا الْمَقْتُولِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقِصَاصُ عَلَيْنَا لَا أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ الدِّيَةِ
وَلَوْ ابْتَاعَ مُضَارِبٌ عَبْدًا وَثَوْبًا لَهُ وَطَعَامًا وَحَمُولَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ قَصَدَ غَيْرَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الشِّرَاءَ إلَّا لِلتِّجَارَةِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ حَيْثُ لَا يُزَكَّى الثَّوْبُ وَالْحَمُولَةُ: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الشِّرَاءَ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ، كَذَا فِي الْكَافِي، وَمَحْمَلُ عَدَمِ تَزْكِيَةِ الثَّوْبِ لِرَبِّ الْمَالِ مَا دَامَ لَمْ يَقْصِدْ بَيْعَهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ النَّخَّاسُ إذَا اشْتَرَى دَوَابَّ لِلْبَيْعِ وَاشْتَرَى لَهَا مَقَاوِدَ وَجِلَالًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ مَعَ الدَّابَّةِ إلَى الْمُشْتَرَى لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُهَا مَعَهَا وَجَبَ فِيهَا، وَكَذَا الْعَطَّارُ إذَا اشْتَرَى قَوَارِيرَ (قَوْلُهُ يُقَوِّمُهَا) أَيْ الْمَالِكُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ حَتَّى لَوْ كَانَ بَعَثَ عِنْدَ التِّجَارَةِ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى لِحَاجَةٍ فَحَالَ الْحَوْلُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَ فِي مَفَازَةٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي أَقْرَبِ الْأَمْصَارِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَكَذَا فِي الْفَتَاوَى.
ثُمَّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ: إنَّهُ تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْوُجُوبِ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الْأَدَاءِ، وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ عِنْدَهُمَا جُزْءٌ مِنْ الْعَيْنِ وَلَهُ وِلَايَةُ مَنْعِهَا إلَى الْقِيمَةِ فَتُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَنْعِ كَمَا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ وَوَلَدِ الْمَغْصُوبِ، وَعِنْدَهُ الْوَاجِبُ أَحَدُهُمَا ابْتِدَاءً، وَلِذَا يُجْبَرُ الْمُصَدِّقُ عَلَى قَبُولِهَا فَيَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَهُوَ وَقْتُ الْوُجُوبِ. وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ عُشْرِ عَيْنِهِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ اتِّفَاقًا، فَإِنْ أَحَبَّ إعْطَاءَ الْقِيمَةِ جَرَى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ، وَكَذَا إذَا اُسْتُهْلِكَ ثُمَّ تَغَيَّرَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلٌ فِي الذِّمَّةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ، وَلَوْ كَانَ نُقْصَانُ السِّعْرِ لِنَقْصٍ فِي الْعَيْنِ بِأَنْ ابْتَلَّتْ الْحِنْطَةُ اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْأَدَاءِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ هَلَاكُ بَعْضِ النِّصَابِ بَعْدَ الْحَوْلِ، أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ لِزِيَادَتِهَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ الْوُجُوبِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ الْحَوْلِ لَا تُضَمُّ، نَظِيرُهُ، اعْوَرَّتْ أَمَةُ التِّجَارَةِ مَثَلًا بَعْدَ الْحَوْلِ فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْأَدَاءِ، أَوْ كَانَتْ عَوْرَاءَ فَانْجَلَى الْبَيَاضُ بَعْدَهُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهَا اُعْتُبِرَ يَوْمَ تَمَامِ الْحَوْلِ (قَوْلُهُ وَتَفْسِيرُ الْأَنْفَعِ أَنْ يُقَوِّمَهَا بِمَا بَلَغَ نِصَابًا) صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ وَأَقْوَالِ الصَّاحِبَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute