يُقَوِّمُهَا بِمَا اشْتَرَى إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ النُّقُودِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ، وَإِنْ اشْتَرَاهَا بِغَيْرِ النُّقُودِ قَوَّمَهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُقَوِّمُهَا بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَمَا فِي الْمَغْصُوبِ وَالْمُسْتَهْلَكِ (وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ كَامِلًا فِي طَرَفَيْ الْحَوْلِ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) لِأَنَّهُ يَشُقُّ اعْتِبَارُ الْكَمَالِ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ابْتِدَائِهِ لِلِانْعِقَادِ وَتَحَقُّقِ
فِي التَّقْوِيمِ أَنَّهُ بِالْأَنْفَعِ عَيْنًا أَوْ بِالتَّخْيِيرِ أَوْ بِمَا اشْتَرَى بِهِ إنْ كَانَ مِنْ النُّقُودِ وَإِلَّا فَبِالنَّقْدِ الْغَالِبِ أَوْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ مُطْلَقًا. ثُمَّ فَسَّرَ الْأَنْفَعَ الَّذِي هُوَ أَحَدُهَا بِأَنْ يُقَوَّمَ بِمَا يَبْلُغُ نِصَابًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ إذَا قَوَّمَهَا بِأَحَدِهِمَا لَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَالْآخَرُ تَبْلُغُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ التَّقْوِيمُ بِمَا يَبْلُغُ فَأَفَادَ أَنَّ بَاقِيَ الْأَقْوَالِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَا خِلَافَ فِي تَعَيُّنِ الْأَنْفَعِ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَا يُفِيدُهُ لَفْظُ النِّهَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ.
قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي وَجْهِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنَّ الْمَالَ كَانَ فِي يَدِ الْمَالِكِ يَنْتَفِعُ بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَنْفَعَةِ الْفُقَرَاءِ عِنْدَ التَّقْوِيمِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقَوِّمُهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ يَتِمُّ النِّصَابُ وَبِالْآخَرِ لَا فَإِنَّهُ يُقَوِّمُهُ بِمَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ بِالِاتِّفَاقِ فَهَذَا مِثْلُهُ انْتَهَى. وَفِي الْخُلَاصَةِ قَالَ: إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالذَّهَبِ وَإِنْ شَاءَ بِالْفِضَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقَوِّمُ بِمَا هُوَ الْأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَوِّمُ بِمَا اشْتَرَى، هَذَا إذَا كَانَ يَتِمُّ النِّصَابُ بِأَيِّهِمَا قُوِّمَ، فَلَوْ كَانَ يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ قُوِّمَ بِمَا يَصِيرُ بِهِ نِصَابًا انْتَهَى. فَإِنَّمَا يُتَّجَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا فَسَّرَ بِهِ بَعْضَ الْمُرَادِ بِالْأَنْفَعِ، فَالْمَعْنَى يُقَوِّمُ الْمَالِكُ بِالْأَنْفَعِ مُطْلَقًا فَيَتَعَيَّنُ مَا يَبْلُغُ بِهِ نِصَابًا دُونَ مَا لَا يَبْلُغُ: فَإِنْ بَلَغَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَأَحَدُهُمَا أَرْوَجُ تَعَيَّنَ التَّقْوِيمُ بِالْأَرْوَجِ، وَإِنْ اسْتَوَيَا رَوَاجًا حِينَئِذٍ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَفْظُ الْكَافِي فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْأَنْفَعُ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحَّ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَابِلَهُ الْقَوْلُ بِالتَّخْيِيرِ مُطْلَقًا، وَالْقَوْلُ الْمُفَصَّلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهُ بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّقْوِيمُ بِهِ أَوَّلًا فَبِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، وَقَدْ يُقَالُ: عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَصِحُّ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى تَعْيِينِ مَا يَبْلُغُ بِهِ النِّصَابُ، لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ كَوْنِ النَّقْدِ أَرْوَجَ كَوْنُهُ أَغْلَبَ وَأَشْهَرَ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْمُطْلَقُ فِي الْبَيْعِ إلَيْهِ، وَلَا يُدْفَعُ إلَّا بِأَنَّ الْأَرْوَجَ مَا النَّاسُ لَهُ أَقْبَلُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَغْلَبَ: أَيْ أَكْثَرَ، وَيَكُونُ سُكُوتُهُ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ ذِكْرِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ اتِّفَاقًا لَا قَصْدًا إلَيْهِ لِعَدَمِ خِلَافِهِ، هَذَا وَالْمَذْكُورُ فِي الْأَصْلِ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَوَّمَهَا بِالدَّرَاهِمِ وَإِنْ شَاءَ بِالدَّنَانِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، فَلِذَا أَفَادَتْ عِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْكَافِي أَنَّ اعْتِبَارَ الْأَنْفَعِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْأَصْلِ مِنْ التَّخْيِيرِ هُوَ مَا إذَا كَانَ التَّقْوِيمُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَتَفَاوَتُ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَالِيَّةِ) لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَلِلْبَدَلِ حُكْمُ الْمُبْدَلِ.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْعُرْفَ صَلُحَ مُعِينًا وَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى بِنَقْدٍ مُطْلَقٍ إلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ، وَلِأَنَّ التَّقْوِيمَ فِي حَقِّ اللَّهِ يُعْتَبَرُ بِالتَّقْوِيمِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ، وَمَتَى قَوَّمْنَا الْمَغْصُوبَ أَوْ الْمُسْتَهْلَكَ نُقَوِّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ كَذَا هَذَا (قَوْلُهُ فَنُقْصَانُهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ) حَتَّى لَوْ بَقِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute