شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ، وَمَاءُ جَيْحُونَ وَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ﵀؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِيهَا أَحَدٌ كَالْبِحَارِ، وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀؛ لِأَنَّهُ يَتَّخِذُ عَلَيْهَا الْقَنَاطِرَ مِنْ السُّفُنِ وَهَذَا يَدٌ عَلَيْهَا (وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ التَّغْلِبِيِّ) يَعْنِي الْعُشْرَ الْمُضَاعَفَ فِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجَ الْوَاحِدَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ،
مَاءُ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدَ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَيَحُونَ نَهْرِ التُّرْكِ وَجَيْحُونَ نَهْرِ تِرْمِذَ وَدِجْلَةَ نَهْرِ بَغْدَادَ وَالْفُرَاتِ نَهْرِ الْكُوفَةِ هَلْ هِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ لَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَرُدُّ عَلَيْهَا يَدَ أَحَدٍ أَوْ لَا فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ، فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ، وَهَذَا يَدٌ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ.
قِيلَ: مَا ذُكِرَ فِي مَاءِ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ مَاءَ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْكَفَرَةُ كَانَ لَهُمْ يَدٌ عَلَيْهَا ثُمَّ حَوَيْنَاهَا قَهْرًا وَقَرَرْنَا يَدَ أَهْلِهَا عَلَيْهَا كَأَرَاضِيِهِمْ، وَأَمَّا فِي مَاءِ الْعُشْرِ فَلَيْسَ بِظَاهِرِ فَإِنَّ الْآبَارَ وَالْعُيُونَ الَّتِي فِي دَارِ الْحَرْبِ وَحَوَيْنَاهَا قَهْرًا خَرَاجِيَّةٌ، صَرَّحُوا بِذَلِكَ مُعَلِّلِينَ بِأَنَّهُ غَنِيمَةٌ وَعَلَّلُوا الْعُشْرِيَّةَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا فَلَمْ تَكُنْ غَنِيمَةً وَلَا يَتِمُّ هَذَا إلَّا فِي الْبِحَارِ وَالْأَمْطَارِ، ثُمَّ قَالُوا فِي مَائِهِمَا: لَوْ سَقَى كَافِرٌ بِهِمَا أَرْضَهُ يَكُونُ فِيهَا الْخَرَاجُ بَلْ الْبِحَارُ أَيْضًا خَرَاجِيَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَاءُ الْمَطَرِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكَافِرَ إذَا سَقَى بِهِ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ كَوْنَ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ الَّتِي كَانَتْ حِينَ كَانَتْ الْأَرْضُ دَارَ حَرْبٍ خَرَاجِيَّةً لَا يَنْفِي الْعُشْرِيَّةَ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَبِئْرٍ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ احْتَفَرَهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ صَيْرُورَةِ الْأَرْضِ دَارَ إسْلَامٍ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ مَا نَرَاهُ مِنْهَا الْآنَ إمَّا مَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ، أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ، إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِرَ وَسَفَتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ إلَّا قَوْلُ الْعَوَامّ غَيْرَ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى نَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا نَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute