(وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَقَدْ قِيلَ عَلَى الْعَكْسِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ
إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٌّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ.
(قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ) وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرُ نِصَابٍ غَيْرَ نَامٍ وَهُوَ مُسْتَغْرَقٌ فِي الْحَاجَةِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَيَحْتَاجُ لِلْمَسْأَلَةِ لِقُوتِهِ أَوْ مَا يُوَارِي بَدَنَهُ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ لَهُ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمَنْ يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ بَعْدَ سُتْرَةِ بَدَنِهِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ: لَا تَحِلُّ لِمَنْ كَانَ كَسُوبًا أَوْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَيَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَقِيرًا وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْفَقْرِ مِلْكُ نُصُبٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِ نَامِيَةٍ إذَا كَانَتْ مُسْتَغْرَقَةٌ بِالْحَاجَةِ وَلِذَا قُلْنَا: يَجُوزُ لِلْعَالِمِ وَإِنْ كَانَتْ تُسَاوِي نُصُبًا كَثِيرَةً عَلَى تَفْصِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِيهَا إذَا كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا لِلتَّدْرِيسِ أَوْ بِالْحِفْظِ أَوْ التَّصْحِيحِ، وَلَوْ كَانَتْ مِلْكَ عَامِّيٍّ وَلَيْسَ لَهُ نِصَابٌ نَامٍ لَا يَحِلُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ لَهُ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَغْرَقَةٍ فِي حَاجَتِهِ فَلَمْ تَكُنْ كَثِيَابِ الْبِذْلَةِ، وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ آلَاتِ الْمُحْتَرِفِينَ إذَا مَلَكَهَا صَاحِبُ تِلْكَ الْحِرْفَةِ وَغَيْرُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُبَ ثَلَاثَةٌ: نِصَابٌ يُوجِبُ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ، وَنِصَابٌ لَا يُوجِبُهَا وَهُوَ مَا لَيْسَ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بِحَاجَةِ مَالِكِهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُهَا وَإِلَّا حَرُمَتْ عَلَيْهِ كَأَثْيَابٍ تُسَاوِي نِصَابًا لَا يَحْتَاجُ إلَى كُلِّهَا أَوْ أَثَاثٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ كُلِّهِ فِي بَيْتِهِ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ وَرُكُوبِهِ وَدَارٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى سَكَنِهَا، فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا ذَكَرْنَا حَاجَةً أَصْلِيَّةً فَهُوَ فَقِيرٌ يَحِلُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ وَتَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ عَلَيْهِ.
وَنِصَابٌ يَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ وَهُوَ مَلَكَ قُوتَ يَوْمِهِ أَوْ لَا يَمْلِكُهُ لَكِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ أَوْ يَمْلِكُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ) وَجْهُ كَوْنِ الْفَقِيرِ أَسْوَأَ حَالًا قَوْله تَعَالَى ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ﴾ أَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ سَفِينَةً، وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بَلْ هُمْ أُجَرَاءُ فِيهَا أَوْ عَارِيَّةٌ لَهُمْ أَوْ قِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا.
وَقَوْلُهُ ﵊ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» مَعَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْ الْفَقْرِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُتَعَوَّذَ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا فَقْرُ النَّفْسِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْعَفَافَ وَالْغِنَى، وَالْمُرَادُ مِنْهُ غِنَى النَّفْسِ لَا كَثْرَةُ الدُّنْيَا، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الْآيَةِ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَدَلَّ عَلَى زِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِمْ، وَذَلِكَ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ حَاجَتِهِمْ. وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الرِّقَابِ مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ أَحْسَنُ ظَاهِرًا وَأَخَّرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِمْ بِلَفْظَةِ فِي فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِاعْتِبَارٍ آخَرَ غَيْرِ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ، وَالِاعْتِبَارَاتُ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ خُصُوصًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْقُودِ، وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفَقَارِ فَكَانَ أَسْوَأَ حَالًا، وَمُنِعَ بِجَوَازِ كَوْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute