ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀
مِنْ فَقُرَتْ لَهُ فِقْرَةٌ مِنْ مَالِي: أَيْ قِطْعَةٌ مِنْهُ فَيَكُونُ لَهُ شَيْءٌ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
هَلْ لَك فِي أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهُ … تُعِينُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهُ
عَشْرَ شِيَاهٍ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ
عُورِضَ بِقَوْلِ الْآخَرِ:
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ … وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
يُقَالُ مَالَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ أَيْ شَيْءٌ وَأَصْلُ السَّبَدِ الشَّعْرُ كَذَا فِي دِيوَانِ الْأَدَبِ، وَقَوْلُ الْأَوَّلِ عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعَهُ. . . إلَخْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ هِيَ سَمْعُهُ لِجَوَازِ عَشْرٍ تَحْصُلُ لَهُ تَكُونُ سَمْعَهُ فَيَكُونُ سَائِلًا مِنْ الْمُخَاطَبِ عَشْرَ شِيَاهٍ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى عَسْكَرِهِ أَيْ عِيَالِهِ وَيُؤْجَرُ فِيهَا الْمُخَاطَبُ الدَّافِعُ لَهَا. وَجْهُ الْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أَيْ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ أَوْ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِهِ لِلْجُوعِ، وَتَمَامُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ كَاشِفَةٌ، وَالْأَكْثَرُ خِلَافُهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَكُونُ مُصَنَّفَةً وَخَصَّ هَذَا الصِّنْفَ بِالْحَضِّ عَلَى إطْعَامِهِمْ كَمَا خَصَّ الْيَوْمَ بِكَوْنِهِ ذَا مَسْغَبَةٍ: أَيْ مَجَاعَةٍ لِقَحْطٍ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ تَخْصِيصِ الْيَوْمِ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْحَضُّ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي حَالِ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ زِيَادَةَ حَضٍّ. وَقَوْلُهُ ﵊ «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَمَحْمَلُ الْإِثْبَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ «وَلَكِنْ الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى» مُرَادٌ مَعَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ نَفَى الْمَسْكَنَةَ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَسْأَلَةِ وَأَثْبَتَهَا لِغَيْرِهِ، فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَا يَسْأَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فِي الْمَسْكَنَةِ، وَلِذَا صَرَّحَ الْمَشَايِخُ فِي عَرْضِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْكَامِلَ فِي الْمَسْكَنَةِ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْكَنَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ غَيْرِهِ هِيَ الْمَسْكَنَةُ الْمُبَالَغُ فِيهَا لَا مُطْلَقُ الْمَسْكَنَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ.
الثَّالِثُ مَوْضِعُ الِاشْتِقَاقِ وَهُوَ السُّكُونُ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ فَلَا يَبْرَحُ. (قَوْلُهُ ثُمَّ هُمَا صِنْفَانِ أَوْ صِنْفٌ وَاحِدٌ) ثَمَرَتُهُ فِي الْوَصَايَا، وَالْأَوْقَافِ إذَا أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَوْ وَقَفَ فَلِزَيْدٍ ثُلُثُ الثُّلُثِ وَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِفُلَانٍ نِصْفُ الثُّلُثِ، وَلِلْفَرِيقَيْنِ نِصْفُهُ، بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِمَا صِنْفًا وَاحِدًا.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، (قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ) مِنْ كِفَايَتِهِمْ بِالْوَسَطِ إلَّا إنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute