لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِطَرِيقِ الْكِفَايَةِ، وَلِهَذَا يَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إلَّا أَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ الصَّدَقَةِ فَلَا يَأْخُذُهَا الْعَامِلُ الْهَاشِمِيُّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ الرَّسُولِ ﵊ عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ، وَالْغَنِيُّ لَا يُوَازِيهِ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ.
قَالَ (وَفِي الرِّقَابِ يُعَانُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْهَا فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ) وَهُوَ الْمَنْقُولُ
(وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ الثَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ
لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ. وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَلَوْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ (قَوْلُهُ فَلَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ) أَيْ شُبْهَةُ الصَّدَقَةِ فِي حَقِّ الْغَنِيِّ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي حَقِّ الْهَاشِمِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ وَمَنْعُ الْهَاشِمِيِّ مِنْ الْعِمَالَةِ صَرِيحٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي سَيَأْتِي وَنُنَبِّهُك عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ. فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى، فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ، هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ قَالَ: اجْمَعُوهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ، فَأُعْطِيَ الْمُكَاتَبُ مُكَاتَبَتَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي أُعْطُوهُ فِي الرِّقَابِ.
وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا: فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ. وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ، فَقَالَ: أَعْتِقْ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَا سَوَاءً؟ قَالَ لَا أَعْتِقْ الرَّقَبَةَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفُكَّ النَّسَمَةَ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ.
فَقِيلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا هُوَ مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ
(قَوْلُهُ: وَالْغَارِمُ مَنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ) أَوْ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَاضِلٌ فِي الْفَصْلَيْنِ، وَلَوْ دَفَعَ إلَى فَقِيرَةٍ لَهَا مَهْرٌ دَيْنٌ عَلَى زَوْجِهَا يَبْلُغُ نِصَابًا وَهُوَ مُوسِرٌ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبَتْ أَعْطَاهَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُعْطِي لَوْ طَلَبَتْ جَازَ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مَنْ تَحَمَّلَ إلَخْ) فَيَأْخُذُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَعِنْدَنَا لَا يَأْخُذُ إلَّا إذَا لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute