للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَصْرِفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ. وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ لَا لِإِثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَهَذَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِعِلَّةِ الْفَقْرِ صَارُوا مَصَارِفَ

وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي وَطَنِهِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ، وَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِجَوَازِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ، وَأُلْحِقَ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ ابْنَ السَّبِيلِ التَّصَدُّقُ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا عَجَزَ وَعِنْدَهُمَا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُهُمَا التَّصَدُّقُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ) وَكَذَا لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ بِحَرْفِ اللَّامِ لِلِاسْتِحْقَاقِ) وَذَكَرَ كُلَّ صِنْفٍ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَوَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ فِيهِ الِاسْتِغْرَاقُ فَتَبْقَى الْجَمْعِيَّةُ عَلَى حَالِهَا.

قُلْنَا: حَقِيقَةُ اللَّامِ الِاخْتِصَاصُ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ الثَّابِتُ فِي ضِمْنِ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَدْ يَكُونُ مُجَرَّدًا، فَحَاصِلُ التَّرْكِيبِ إضَافَةُ الصَّدَقَاتِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِكُلِّ صَدَقَةِ مُتَصَدِّقٍ إلَى الْأَصْنَافِ الْعَامِّ كُلٍّ مِنْهَا الشَّامِلِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ أَخَصُّ بِهَا كُلِّهَا، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي لُزُومَ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ وَاحِدَةً تَنْقَسِمُ عَلَى أَفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ، غَيْرَ أَنَّهُ اسْتَحَالَ ذَلِكَ فَلَزِمَ أَقَلُّ الْجَمْعِ مِنْهُ، بَلْ إنَّ الصَّدَقَاتِ كُلَّهَا لِلْجَمِيعِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِ كُلِّ صَدَقَةٍ. صَدَقَةً لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ لَوْ أَمْكَنَ، أَوْ كُلَّ صَدَقَةٍ جُزْئِيَّةٍ لِطَائِفَةٍ أَوْ لِوَاحِدٍ. وَأَمَّا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ الْجَمْعَ إذَا قُوبِلَ بِالْجَمْعِ أَفَادَ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ انْقِسَامَ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ نَحْوُ ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ وَرَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، فَالْإِشْكَالُ أَبْعَدُ حِينَئِذٍ إذْ يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ صَدَقَةٍ لِوَاحِدٍ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا حَاجَةَ إلَى نَفْيِ أَنَّهَا لِلِاسْتِحْقَاقِ بَلْ مَعَ كَوْنِهَا لَهُ يَجِيءُ هَذَا الْوَجْهُ فَلَا يُفِيدُ الْجَمْعَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، إلَّا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِصَرْفِ اسْتِحْقَاقِهِ إلَيْهِمْ عَلَى إثْبَاتِ الْخِيَارِ لِلْمَالِكِ فِي تَعْيِينِ مَنْ يَصْرِفُهُ إلَيْهِ فَلَا تَثْبُتُ حَقِيقَةُ الِاسْتِحْقَاقِ لِوَاحِدٍ إلَّا بِالصَّرْفِ إلَيْهِ إذْ قَبْلَهُ لَا تَعَيُّنَ لَهُ وَلَا اسْتِحْقَاقَ إلَّا لِمُعَيَّنٍ، وَجَبْرُ الْإِمَامِ لِقَوْمٍ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ عَلَى إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ لَيْسَ إلَّا لِلْخُرُوجِ عَنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّهِمْ، ثُمَّ رَأَيْنَا الْمَرْوِيَّ عَنْ الصَّحَابَةِ نَحْوَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ.

وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: فِي أَيِّ صِنْفٍ وَضَعْته

<<  <  ج: ص:  >  >>