بِخِلَافِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ الْمَالَ هَاهُنَا كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ. أَمَّا التَّطَوُّعُ فَبِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ. قَالَ: (وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَوَالِيهِمْ) أَمَّا هَؤُلَاءِ فَلِأَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَى بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَنِسْبَةُ الْقَبِيلَةِ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ «أَنَّ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَأَلَهُ أَتَحِلُّ لِي الصَّدَقَةُ؟ فَقَالَ: لَا أَنْتَ مَوْلَانَا»
لَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يَخُصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ، لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودُ وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ. وَأَمَّا الثَّانِي لَمْ يَتِمَّ لَهُ أَصْلٌ صَحِيحٌ، وَقَوْلُهُ الْمَالُ هُنَا كَالْمَاءِ يَتَدَنَّسُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إذْ حُكْمُ الْأَصْلِ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ أَوْ مُجْمَعًا، وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ لِلْمَاءِ كَذَلِكَ بَلْ الْمَالُ هُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَى حُكْمِهِ هَذَا مِنْ التَّدَنُّسِ فَهُوَ أَصْلٌ لِلْمَاءِ فِي ذَلِكَ. فَإِثْبَاتُ مِثْلِهِ شَرْعًا لِلْمَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَالِ، إذْ لَا نَصَّ فِي الْمَاءِ، وَنَفْسُ الْمُصَنِّفِ مَشَى عَلَى الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ فِي بَحْثِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ حَيْثُ قَالَ فِي وَجْهِ الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى إلَّا أَنَّهُ يَعْنِي الْمَاءَ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَ مَالَ الصَّدَقَةِ أَصْلًا فَكَيْفَ يَجْعَلُ هُنَا الْمَاءَ أَصْلًا لِمَالِ الصَّدَقَةِ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ الْمَقْصُودُ هُنَا فِي قَوْلِهِ التَّطَوُّعُ بِالصَّدَقَةِ بِمَنْزِلَةِ التَّبَرُّدِ بِالْمَاءِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّهُ إلْحَاقُ قُرْبَةٍ بِغَيْرِ قُرْبَةٍ، وَالصَّوَابُ فِي الْإِلْحَاقِ أَنْ يُقَالَ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوءِ عَلَى الْوُضُوءِ لِيَكُونَ إلْحَاقُ قُرْبَةِ نَافِلَةٍ بِقِرْبَةِ نَافِلَةٍ، وَبَعْدَ هَذَا إنْ ادَّعَى أَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ عَدَمُ تَدَنُّسِ مَا أُقِيمَ بِهِ هَذِهِ الْقُرْبَةُ مَنَعْنَا حُكْمَ الْأَصْلِ فَإِنَّ التَّدَنُّسَ لِلْآلَةِ بِوَاسِطَةِ خُرُوجِ الْأَثَامِ وَإِزَالَةِ الظُّلْمَةِ، وَالْقُرْبَةُ النَّافِلَةُ تُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا بِقَدْرِهِ. وَقَدْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ ﵊ «الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ» أَنَّهُ يُفِيدُ إزَالَةَ الظُّلْمَةِ بِقَدْرِ إفَادَةِ زِيَادَةِ ذَلِكَ النُّورِ، وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْوُضُوءَ النَّفَلَ إذَا كَانَ مَنْوِيًّا يَصِيرُ الْمَاءُ بِهِ مُسْتَعْمَلًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي قَوْلِهِ الْمُسْتَعْمَلُ: هُوَ مَا أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ أَوْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَهُمْ آلُ عَلِيٍّ إلَخْ) لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الَّذِينَ لَهُمْ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ كُلُّهُمْ بَيَّنَ الْمُرَادَ مِنْهُمْ بِعَدَدِهِمْ فَخَرَجَ أَبُو لَهَبٍ بِذَلِكَ حَتَّى يَجُوزَ الدَّفْعُ إلَى بَنِيهِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ لِبَنِي هَاشِمٍ كَرَامَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَلِذُرِّيَّتِهِمْ حَيْثُ نَصَرُوهُ ﵊ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ وَإِسْلَامِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ كَانَ حَرِيصًا عَلَى أَذَى النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَسْتَحِقَّهَا بِنُورِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَوَالِيهِمْ فَلِمَا رُوِيَ إلَخْ) أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute