«يَا بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخِهِمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمْسِ الْخُمْسِ»
كَوْنُهُ عِوَضًا عَنْ صَدَقَاتِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ هَذَا اللَّفْظَ غَرِيبٌ، وَالْمَعْرُوفُ مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: «اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَا: لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَةِ فَأَصَابَا مِنْهَا كَمَا يُصِيبُ النَّاسُ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا تُرْسِلُوهُمَا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغْنَا النِّكَاحَ وَأَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ، وَجِئْنَاكَ لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَنُؤَدِّيَ إلَيْكَ كَمَا تُؤَدِّي النَّاسُ وَنُصِيبُ كَمَا يُصِيبُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، اُدْعُوا لِي مَحْمِيَّةَ بْنَ جَزْءٍ، رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى الْأَخْمَاسِ، وَنَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَأَتَيَاهُ فَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ لِلْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ، فَأَنْكَحَهُ، وَقَالَ لِنَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ: أَنْكِحْ هَذَا الْغُلَامَ ابْنَتَكَ، فَأَنْكَحَنِي، وَقَالَ لِمَحْمِيَّةَ: أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِنْ الْخُمْسِ كَذَا وَكَذَا».
وَهَذَا مَا وَعَدْنَاك مِنْ النَّصِّ عَلَى عَدَمِ حِلِّ أَخْذِهَا لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ لَفْظِ الْهِدَايَةِ، وَلَفْظُهُ لِلطَّبَرَانِيِّ «لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْءٌ إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي خُمْسِ الْخُمْسِ مَا يُغْنِيكُمْ» يُوجِبُ تَحْرِيمَ صَدَقَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.
وَكَذَا مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «عَنْهُ ﵊ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَافِ لَهُمْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فِي النِّهَايَةِ: وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ انْتَهَى.
وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ، فَقَالَ: وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدِّيَ فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَفِي النَّفْلِ يَتَبَرَّعُ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهَا الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ، وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ. فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ، ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُهُ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ.
ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعْضٌ: يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ اهـ. فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْكَ حَدِيثُ «لَحْمِ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً مِنْهَا، فَقَالَ هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ» وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً. وَأَيْضًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute