للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ «يَا يَزِيدُ لَكَ مَا نَوَيْتَ، وَيَا مَعْنُ لَكَ مَا أَخَذْتَ» وَقَدْ دَفَعَ إلَيْهِ وَكِيلُ أَبِيهِ صَدَقَتَهُ؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَبْتَنِي الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَجْزِيهِ، وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَهَذِهِ إذَا تَحَرَّى فَدَفَعَ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ، أَمَّا إذَا شَكَّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّى فَدَفَعَ، وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لَا يَجْزِيهِ إلَّا إذَا

فِي الْأَوَانِي فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِيهَا بِأَنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلطَّاهِرَةِ مِنْهَا أَوْ فِي الثِّيَابِ، وَلَهُ أَنْ يَتَحَرَّى فِيهَا وَإِنْ كَانَ الطَّاهِرُ مَغْلُوبًا فَوَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ فِيهِ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ ثُمَّ ظَهَرَ نَجَاسَتُهُ يُعِيدُ اتِّفَاقًا فَكَذَا هَذَا، وَمِثْلُهُ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنٍ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ «مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وَخَطَبَ عَلِيٌّ فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْتُ إلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ وَلَكَ مَا أَخَذْتَ يَا مَعْنُ» اهـ.

وَهُوَ وَإِنْ كَانَ وَاقِعَةَ حَالٍ يَجُوزُ فِيهَا كَوْنُ تِلْكَ الصَّدَقَةِ كَانَتْ نَفْلًا، لَكِنَّ عُمُومَ لَفْظِ مَا فِي قَوْلِهِ «لَكَ مَا نَوَيْتَ» يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنَّمَا هُوَ بِالِاجْتِهَادِ لَا الْقَطْعِ فَيُبْنَى الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ، وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِفَادَةِ كَانَ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى مِنْ الِاجْتِهَادِ، وَلَوْ فُرِضَ تَكَرُّرُ خَطَئِهِ فَتَكَرَّرَتْ الْإِعَادَةُ أَفْضَى إلَى الْحَرَجِ لِإِخْرَاجِ كُلِّ مَالِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّكَاةُ خُصُوصًا مَعَ كَوْنِ الْحَرَجِ مَدْفُوعًا شَرْعًا عُمُومًا بِخِلَافِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَوُجُودِ النَّصِّ فَإِنَّهُ مِمَّا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِالْأَخْبَارِ (قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا تَحَرَّى إلَخْ) تَحْرِيرٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ، وَحَاصِلُ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةٌ: دَفَعَ لِشَخْصٍ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا تَحَرٍّ فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ غِنَاهُ مَثَلًا فَيُعِيدُ، وَإِنْ شَكَّ فَلَمْ يَتَحَرَّ وَدَفَعَ أَوْ تَحَرَّى فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ غِنَاهُ وَدَفَعَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>