جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -،
يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. وَالْجَوَابُ عَمَّا أَوْرَدَ، أَمَّا الْأَخِيرُ فَالْحَارِثُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، فَفِي رِوَايَتِهِ «أَوْ نِصْفَ صَاعٍ» وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَلَى مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُك نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ أَوْ تَمْرٍ فَانْدَفَعَ.
وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَضَعِيفٌ جِدًّا بِعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ صَهْبَانَ مَتْرُوكٌ، قَالَهُ النَّسَائِيّ وَالرَّازِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا يُسَاوِي فَلْسًا، وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ بِشَيْءٍ فَانْدَفَعَ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَضَعِيفٌ جِدًّا بِكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَجْمَعٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ.
وَنَفْسُ الشَّافِعِيِّ قَالَ: فِيهِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ فَانْدَفَعَ، وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَمُنْقَطِعٌ لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ شَيْئًا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِيهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَهُمْ يُضَعِّفُونَ بِمِثْلِ هَذَا. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَفِيهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِهِ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
وَأَمَّا مَا يَلِيهِ فَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ أَيُّوبَ تَابَعَ بْنَ شَوْذَبٍ عَلَى زِيَادَةِ الْبُرِّ فِيهِ، وَقَدْ خَالَفَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَا، وَأَيْضًا فَفِي حَدِيثِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خَطَئِهِ وَهُوَ قَوْلُ: ثُمَّ عَدَلَ النَّاسُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ بِصَاعٍ مِمَّا سِوَاهُ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلُوا صِنْفًا مَفْرُوضًا بِبَعْضِ صِنْفٍ مَفْرُوضٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ الْمَفْرُوضُ بِمَا لَيْسَ بِمَفْرُوضٍ اهـ.
لَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَهِيَ الَّتِي تَلِي رِوَايَةَ الطَّحَاوِيِّ فِيمَا كَتَبْنَاهُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْفَسَادِ، لَكِنَّ مُبَارَكًا لَا يَعْدِلُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَوَثَّقَهُ عَفَّانَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: يُدَلِّسُ كَثِيرًا فَإِذَا قَالَ: حَدَّثَنَا فَهُوَ ثِقَةٌ، وَاَلَّذِي رَأَيْته هَكَذَا عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَيُّوبَ. وَأَمَّا مَا يَلِيهِ: أَعْنِي رِوَايَةَ الْحَاكِمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ضَعَّفَهُ ابْنُ حِبَّانَ، لَكِنْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ كَانَ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ، وَحَدِيثُهُ، هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى الْخَطَأِ فِيهِ، لَا أَعْنِي خَطَأَهُ هُوَ بَلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُنْشِئِهِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ.
فَصَرَّحَ بِأَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ إنَّمَا عَلِمَهُ ابْنُ عُمَرَ مِنْ تَعْدِيلِ النَّاسِ بِهِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِلَّا لَرَفَعَهُ، وَبِنَفْسِ هَذَا رَدَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا رَوَاهُ هُوَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ «أَمَرَ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» فَقَالَ كَيْفَ يَصِحُّ؟ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ تَعْدِيلَ الصَّاعِ بِمُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ فِيهِ صَاعًا مِنْ حِنْطَةٍ لَيْسَتْ صَحِيحَةً، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهَا أَبُو دَاوُد حَيْثُ قَالَ: وَذُكِرَ فِيهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ أَوْ صَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ وَلَيْسَ بِمَحْظُوظٍ، وَذَكَرَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ أَوْ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ اهـ.
وَقَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فَذِكْرُ الْحِنْطَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلَا أَدْرِي مِمَّنْ الْوَهْمُ، وَقَوْلُ الرَّجُلِ لَهُ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ دَالٌّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْحِنْطَةِ أَوَّلَ الْخَبَرِ خَطَأٌ إذْ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ مَعْنًى اهـ. وَأَمَّا بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ فَدَلِيلٌ لَنَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ النَّاسِ لِمُعَاوِيَةَ وَالنَّاسُ إذْ ذَاكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَحَدِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَقْدِيرُ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ لَمْ يَسْكُتْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute