وَسَبَبُ الثَّانِي النَّذْرُ
وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ وَتَفْسِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ ﵊ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فَسَدَ الثَّانِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ
وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَلَا الْبُلُوغُ وَلَا الْحُرِّيَّةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا، وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ، وَنَيْلُ ثَوَابِهِ، وَإِنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي.
وَأَقْسَامُهُ: فَرْضٌ، وَوَاجِبٌ، وَمَسْنُونٌ، وَمَنْدُوبٌ، وَنَفْلٌ، وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا. فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ، وَقَضَاؤُهُ، وَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَمَتْنًا وَالْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا. وَالْوَاجِبُ: الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءَ مَعَ التَّاسِعِ، وَالْمَنْدُوبُ: صَوْمُ ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَنْدُبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ، وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد ﵊ وَنَحْوِهِ.
وَالنَّفَلُ: مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ تَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ. وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا: عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوَ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ.
وَتَحْرِيمًا: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ، وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ كَانَ الْمَنْذُورُ وَاجِبًا مَعَ أَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ﴾؟ أُجِيبُ: بِأَنَّهُ عَامٌّ دَخَلَهُ الْخُصُوصُ فَإِنَّهُ خَصَّ النَّذْرَ بِالْمَعْصِيَةِ وَبِمَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ فَصَارَتْ ظَنِّيَّةً كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ: كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ، عَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ: يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي عَلَى هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهِ.
، وَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الْكُلِّ وَالْكَلَامِ فِي وَقْتِهَا الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ فَقُلْنَا فِي رَمَضَانَ وَالْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ تَجْزِيهِ النِّيَّةُ مِنْ بَعْدِ الْغُرُوبِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ فِي صَوْمِ ذَلِكَ النَّهَارِ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَالْمَنْذُورِ الْمُطْلَقِ كَنَذْرِ صَوْمِ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا فِي اللَّيْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجْزِي فِي غَيْرِ النَّفْلِ إلَّا مِنْ اللَّيْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجْزِي إلَّا مِنْ اللَّيْلِ فِي النَّفْلِ وَغَيْرِهِ. وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ. (وَقَوْلُهُ وَجْهٌ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ ﷺ لَا صِيَامَ لِمَنْ إلَخْ) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى. أَمَّا الْحَدِيثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute