للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ. وَلَنَا «قَوْلُهُ بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ،

فَمَا ذَكَرَهُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي لَفْظِهِ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» يُجْمَعُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ يُبَيِّتْ «وَلَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنْ اللَّيْلِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجَيْ النَّبِيِّ ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ، وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ لَمْ يَجْمَعْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» وَوَقَفَهُ عَنْهُ عَلَى حَفْصَةَ مَعْمَرٌ وَالزُّبَيْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَيُونُسُ الْأَيْلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ثِقَةٌ، وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ وَهِيَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَلَفْظُ " يُبَيِّتْ " عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْهُ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ».

قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ الْفَضْلِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَأَقَرَّهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَيْهِ.

وَنَظَرَ فِيهِ: بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّادٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ يُقَلِّبُ الْأَخْبَارَ. قَالَ: رَوَى عَنْهُ رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نُسْخَةً مَوْضُوعَةً، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَهُوَ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فِيهِ إذْ الْفَرْضُ اشْتِرَاطُهَا فِي صِحَّةِ الصَّوْمِ، وَلَمْ تُوجَدْ فِي الْأَجْزَاءِ الْأُوَلِ مِنْ النَّهَارِ فَسَدَ الْبَاقِي، وَإِنْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِيهِ ضَرُورَةُ عَدَمِ انْقِلَابِ الْفَاسِدِ صَحِيحًا، وَعَدَمُ تَجَزِّي الصَّوْمِ صِحَّةً وَفَسَادًا، لَا يُقَالُ لِمَا لَمْ يَتَجَزَّأْ صِحَّةً وَفَسَادًا وَقَدْ صَحَّ مَا اُقْتُرِنَ بِالنِّيَّةِ صَحَّ الْكُلُّ ضَرُورَةً ذَاكَ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُقَدَّمٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُنَجَّزٌ عِنْدِي لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى النَّشَاطِ وَقَدْ يَنْشَطُ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ، أَوْ نَقُولُ: تَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكَاتُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ فِي بَاقِيهِ فِي النَّفْلِ اعْتِبَارًا لَهُ أَخَفُّ حَالًا مِنْ الْفَرْضِ، حَتَّى جَازَتْ صَلَاتُهُ قَاعِدًا وَرَاكِبًا غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ الْقِبْلَةَ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ، ثُمَّ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ «عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنِّي إذًا صَائِمٌ، ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَقَالَ: أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ».

(قَوْلُهُ وَلَنَا) حَاصِلُ اسْتِدْلَالِهِ بِالنَّصِّ وَالْقِيَاسِ عَلَى النَّفْلِ ثُمَّ تَأْوِيلِ مَرْوِيِّهِ بِدَلِيلٍ يُوجِبُ ذَلِكَ، أَمَّا النَّصُّ فَمَا ذَكَرَهُ وَهُوَ مُسْتَغْرَبٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ بَلْ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ «شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَأَمَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>