وَلِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا، وَإِنْ أَفْطَرَ لَمْ يَقْضِهِ
الثَّالِثُ: فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَذْهَبَنَا إبَاحَتُهُ وَمَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ كَرَاهَتُهُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمًا لَهُ، وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وُجُوبُ صَوْمِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ. وَلْنَأْتِ الْآنَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِدْلَالُ الْمَذَاهِبِ لِيَظْهَرَ مُطَابَقَتُهَا لِأَيِّ الْمَذَاهِبِ. وَالْأَوَّلُ: حَدِيثُ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا تَطَوُّعًا» لَمْ يُعْرَفْ قِيلَ: وَلَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي ثُبُوتُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إبَاحَةُ الصَّوْمِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: «لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَيَصُومُهُ» رَوَاهُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ. الثَّالِثُ: مَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذَا بَقِيَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا» وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ، وَمَعْنَاهُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُفْطِرَ الرَّجُلُ حَتَّى إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ أَخَذَ فِي الصَّوْمِ.
الرَّابِعُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ ﵊ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَا أَبَا الْقَاسِمِ» وَإِنَّمَا ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارٍ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْهُ، فَقَالَ: وَقَالَ: صِلَةُ عَنْ عَمَّارٍ «مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ» إلَخْ وَأَصْلُ الْحَدِيثِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ فِي كُتُبِهِمْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ عَمَّارٌ: مَنْ صَامَ هَذَا الْيَوْمَ فَقَدْ عَصَا أَبَا الْقَاسِمِ رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآدَمِيِّ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ " ثُمَّ قَالَ: تَابَعَ الْآدَمِيُّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ وَكِيعٍ الْخَامِسُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ «فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا».
السَّادِسُ: مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ «أَنَّهُ ﵊ قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا قَوْلُهُ ﷺ «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَإِنَّهُ صَوْمُ دَاوُد» وَسِرَارُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ، قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ السِّرَارَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِيِ الشَّهْرِ، لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ " صُمْ يَوْمًا " عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا، وَإِلَّا قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا، وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سَرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ
وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ، لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَيَصِيرُ حَدِيثُ السَّرَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute