للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يَجْزِيهِ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ: يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ

لِلِاسْتِحْبَابِ، وَلِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُعْقَلُ فِيهِ هُوَ أَنْ يَخْتِمَ شَعْبَانَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كُلَّ شَهْرٍ.

فَهُوَ بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَهُوَ خَتْمُ الشَّهْرِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ لَا يَخْتَصُّ بِغَيْرِ شَعْبَانَ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ عَلَى صَوْمِ النَّفْلِ، فَيُجْعَلُ هُوَ الْمَمْنُوعُ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ هُوَ الْوَاجِبُ بِحَدِيثِ السَّرَرِ، فَيَكُونُ مَنْعُ النَّفْلِ بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ الْمُفَادِ بِحَدِيثِ السَّرَرِ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى فَتْحِ مَفْسَدَةِ ظَنِّ الزِّيَادَةِ فِي رَمَضَانَ عِنْدَ تَكَرُّرِهِ مَعَ غَلَبَةِ الْجَهْلِ، وَهُوَ مُكَفِّرٌ لِأَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا شَرَعَ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ حَيْثُ زَادُوا فِي مُدَّةِ صَوْمِهِمْ، فَيَثْبُتُ بِذَلِكَ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ حِلِّ صَوْمِهِ مُخْفِيًا عَنْ الْعَوَامّ، وَكُلُّ مَا وَافَقَ حَدِيثَ التَّقَدُّمِ فِي مَنْعِهِ كَحَدِيثِ إكْمَالِ الْعِدَّةِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ صَوْمَهُ تَطَوُّعًا إكْمَالٌ لِعِدَّةِ شَعْبَانَ، وَحَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ مَوْقُوفٌ لَا يُعَارَضُ بِهِ حَدِيثُ السَّرَرِ، وَالْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى إرَادَةِ صَوْمِهِ عَنْ رَمَضَانَ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْ الرَّجُلِ الْمُتَنَحِّي قَصْدَ ذَلِكَ فَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ أَصْلًا.

وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا يُكْرَهُ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ، لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ صَوْمُ رَمَضَانَ لَيْسَ غَيْرُ إذْ لَمْ يَثْبُتْ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: أَمَّا الْمَكْرُوهُ فَأَنْوَاعٌ، إلَى أَنْ قَالَ: وَصَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ أَوْ بِنِيَّةٍ مُتَرَدِّدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ صُورَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَعَنْ التَّطَوُّعِ مُطْلَقًا لَا يُكْرَهُ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا قُلْنَا، يَعْنِي صَوْمَ رَمَضَانَ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ، حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، قَالُوا: وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُكْرَهَ وَاجِبٌ آخَرُ أَصْلًا وَإِنَّمَا كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ الْعِصْيَانِ، وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يَتْرُكَ صَوْمُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ تَوَرُّعًا وَإِلَّا فَبَعْدَ تَأَدِّي الِاجْتِهَادِ إلَى وُجُوبِ كَوْنِ الْمُرَادِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ صَوْمَ رَمَضَانَ كَيْفَ يُوجِبُ حَدِيثُ الْعِصْيَانِ مَنْعَ غَيْرِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَدِيثِ التَّقَدُّمِ وَبَيْنَهُ، فَمَا وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَجَبَ حَمْلُ الْآخَرِ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ إذْ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى سِوَى تَعَدُّدِ السَّنَدِ هَذَا بَعْدَ حَمْلِهِ عَلَى السَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ) وَلَمْ يَقُلْ مَظْنُونٌ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَيَقُّنِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الشَّكِّ فِي إسْقَاطِهِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ لَكِنَّ هَذَا فِي مَعْنَاهُ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا) يَعْنِي لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهَةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>