وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثَبَتَ فِي الْوِقَاعِ لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ فَلَا يَغْلِبُ النِّسْيَانُ وَلَا مُذَكِّرَ فِي الصَّوْمِ فَيَغْلِبُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَضِّلْ وَلَوْ كَانَ مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀، فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي، وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ وَعُذْرُ النِّسْيَانِ
الصَّوْمِ، وَثَانِيًا: بِأَنَّ نَفْسَ اللَّفْظِ يَدْفَعُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ " فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ " وَصَوْمُهُ إنَّمَا كَانَ الشَّرْعِيَّ، فَإِتْمَامُ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالشَّرْعِيِّ. وَثَالِثًا: بِأَنَّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَسُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إنِّي كُنْتُ صَائِمًا فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا فَقَالَ ﵊: أَتِمَّ صَوْمَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ وَفِي لَفْظٍ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ الْجَمَاعَةِ وَزَادَ فِيهِ " وَلَا تُفْطِرْ ".
وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ «أَنَّهُ ﵊ قَالَ: مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ: تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ (قَوْلُهُ: لِلِاسْتِوَاءِ فِي الرُّكْنِيَّةِ) الرُّكْنُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْكَفُّ عَنْ كُلٍّ مِنْهَا، فَتَسَاوَتْ كُلُّهَا فِي أَنَّهَا مُتَعَلِّقُ الرُّكْنِ لَا يَفْضُلُ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى أَخَوَيْهِ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي فَوَاتِ الْكَفِّ عَنْ بَعْضِهَا نَاسِيًا عُذْرُهُ بِالنِّسْيَانِ وَإِبْقَاءُ صَوْمِهِ كَانَ ثَابِتًا أَيْضًا فِي فَوَاتِ الْكَفِّ نَاسِيًا عَنْ أَخَوَيْهِ. يَحْكُمُ بِذَلِكَ كُلُّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ الِاسْتِوَاءَ، ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ الثُّبُوتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، هَذَا وَمَنْ رَأَى صَائِمًا يَأْكُلُ نَاسِيًا إنْ رَأَى قُوَّةً تُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ بِلَا ضَعْفٍ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ، وَلَوْ أَكَلَ يَتَقَوَّى عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْجِمَاعِ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ إنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ دَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، ثُمَّ قِيلَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَقِيلَ: هَذَا إذَا لَمْ يُحَرِّكْ نَفْسَهُ بَعْدَ التَّذَكُّرِ حَتَّى أَنْزَلَ، فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ نَزَعَ ثُمَّ أَدْخَلَ، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَلَعَ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ بَعْدَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا نَظِيرُهُ مَا لَوْ أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ جَامَعْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ وَلَا تَعْتِقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلُقَتْ وَعَتَقَتْ وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُهُ بِالنَّاسِي) يُجَامِعْ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْجِنَايَةِ فَيُعْذَرُ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلشُّرْبِ وَلَا لِلْجِنَايَةِ، وَالنَّاسِي قَاصِدٌ لِلشُّرْبِ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْجِنَايَةِ، وَلِقَوْلِهِ ﵊ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لِلْحَدِيثِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ تَخْرِيجُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ إلْحَاقِهِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَلَنَا أَنَّهُ) أَيْ عُذْرُ الْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ (لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ) أَمَّا الْإِكْرَاهُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا الْخَطَأُ إذْ مَعَ التَّذَكُّرِ وَعَدَمِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِفْسَادِ قَائِمٌ بِقَدْرِ الْوُسْعِ، وَقَلَّمَا يَحْصُلُ الْفَسَادُ مَعَ ذَلِكَ بِخِلَافِ حَالَةِ عَدَمِ التَّذَكُّرِ مَعَ قِيَامِ مُطَالَبَةِ الطَّبْعِ بِالْمُفْطِرَاتِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute