للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَالِبٌ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَالْإِكْرَاهَ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ فَيَفْتَرِقَانِ كَالْمُقَيَّدِ وَالْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ.

قَالَ (فَإِنْ نَامَ فَاحْتَلَمَ لَمْ يُفْطِرْ) لِقَوْلِهِ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامَ الْقَيْءُ وَالْحِجَامَةُ وَالِاحْتِلَامُ»، وَلِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ الْإِنْزَالُ عَنْ شَهْوَةٍ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ فَأَمْنَى) لِمَا بَيَّنَّا فَصَارَ كَالْمُتَفَكِّرِ إذَا أَمْنَى

مَعَهُ الْإِفْسَادُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عُذِرَ فِيمَا يَكْثُرُ وُجُودُهُ مِثْلُهُ فِيمَا لَا يَكْثُرُ، وَلِأَنَّ الْوُصُولَ إلَى الْجَوْفِ مَعَ التَّذَكُّرِ فِي الْخَطَأِ لَيْسَ إلَّا لِتَقْصِيرِهِ فِي الِاحْتِرَازِ فَيُنَاسِبُ الْفَسَادَ إذْ فِيهِ نَوْعُ إضَافَةٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ، فَإِنَّهُ بِرُمَّتِهِ مُنْدَفِعٌ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ مَنْ الْإِمْسَاكُ حَقُّهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَكَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ الْمُفَوِّتُ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَى الْخُلُوصِ، وَلِذَا أَضَافَهُ إلَيْهِ تَعَالَى حَيْثُ قَالَ «أَتِمَّ عَلَى صَوْمِكَ فَإِنَّمَا أَطْعَمَكَ اللَّهُ وَسَقَاكَ» وَحَقِيقَةُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْطَعُ نِسْبَتَهُ إلَى الْمُكَلَّفِ فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا عَلَيْهِ شَيْئًا إذْ لَمْ يَقَعْ مِنْ جِهَتِهِ تَفْوِيتٌ، فَظَهَرَ ظُهُورًا سَاطِعًا عَدَمُ لُزُومِ اعْتِبَارِ الصَّوْمِ قَائِمًا مَعَ الْخَطَأِ وَالْإِكْرَاهِ لِاعْتِبَارِهِ قَائِمًا مَعَ النِّسْيَانِ، وَصَارَ مَعَ النَّاسِي كَالْمُقَيَّدِ مَعَ الْمَرِيضِ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيَاهَا قَاعِدَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُقَيَّدِ لَا الْمَرِيضِ، وَحُكْمُ النَّائِمِ إذَا صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَا يُفْطِرُ حُكْمُ الْمُكْرَهِ فَيُفْطِرُ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا: فِي الْمُكْرَهِ عَلَى الْجِمَاعِ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْتِشَارِ الْآلَةِ وَذَلِكَ إمَارَةُ الِاخْتِيَارِ، ثُمَّ رَجَعَ. وَقَالَ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ فَسَادَ الصَّوْمِ يَتَحَقَّقُ بِالْإِيلَاجِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ انْتَشَرَ آلَتُهُ يُجَامِعُ.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصِّيَامَ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْحِجَامَةُ، وَالْقَيْءُ، وَالِاحْتِلَامُ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَذَكَرَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ مُسْنَدًا، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ كَابْنِ مَعِينٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهِشَامٌ هَذَا ضَعَّفَهُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَلَيَّنَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ، لَكِنْ قَدْ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «ثَلَاثٌ لَا يُفْطِرْنَ الصَّائِمَ: الْقَيْءُ، وَالْحِجَامَةُ، وَالِاحْتِلَامُ».

قَالَ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِهَا إسْنَادًا وَأَصَحِّهَا اهـ. وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حِبَّانَ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: صَدُوقٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ، وَقَالَ: لَا يُرْوَى عَنْ ثَوْبَانَ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَقَرَّدَ بِهِ ابْنُ وَهْبٍ. فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَجِبُ أَنْ يَرْتَقِيَ إلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَضَعْفُ رُوَاتِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْحِفْظِ لَا الْعَدَالَةِ فَالتَّضَافُرُ دَلِيلُ الْإِجَادَةِ فِي خُصُوصِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقَيْءِ مَا ذَرَعَ الصَّائِمَ عَلَى مَا سَيَظْهَرُ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَةً) بِشَهْوَةٍ إلَى وَجْهِهَا أَوْ فَرْجِهَا كَرَّرَ النَّظَرَ أَوْ لَا لَا يُفْطِرُ إذَا أَنْزَلَ (لِمَا بَيَّنَّا) أَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْجِمَاعِ وَلَا مَعْنَاهُ وَهُوَ لِلْإِنْزَالِ عَنْ مُبَاشَرَةٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>