قُلْنَا: هُوَ أَثَرُ الْعِبَادَةِ اللَّائِقُ بِهِ الْإِخْفَاءُ. بِخِلَافِ دَمِ الشَّهِيدِ لِأَنَّهُ أَثَرُ الظُّلْمِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ الْأَخْضَرِ وَبَيْنَ الْمَبْلُولِ بِالْمَاءِ لِمَا رَوَيْنَا.
وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَهُ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالسِّوَاكِ لَا يُفِيدُ شَغْلُهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ، وَلِهَذَا رَوَى عَنْ مُعَاذٍ مِثْلَ مَا قُلْنَا. رَوَى الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ " سَأَلْت مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ: أَتَسَوَّكُ وَأَنَا صَائِمٌ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: أَيُّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ؟ قَالَ: أَيُّ النَّهَارِ شِئْت غَدْوَةً وَعَشِيَّةً، قُلْت: إنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّةً، وَيَقُولُونَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، فَقَالَ: سُبْحَانُ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ وَإِنْ اسْتَاك، وَمَا كَانَ بِاَلَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخَيْرِ بَلْ فِيهِ شَيْءٌ، لَا مَنْ ابْتَلَى بِبَلَاءٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا " قَالَ: وَكَذَا الْغُبَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ مَنْ اضْطَرَّهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا.
فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَلَاءِ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَجْرِ شَيْءٌ قِيلَ: وَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ تَكْثِيرًا لِلْمَشْيِ إلَى الْمَسَاجِدِ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ ﵊ «وَكَثْرَةُ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ» وَمَنْ تَصَنَّعَ فِي طُلُوعِ الشَّيْبِ لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي الْإِسْلَامِ» إنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِمَا مَنْ بُلِيَ بِهِمَا، وَفِي الْمَطْلُوبِ أَيْضًا أَحَادِيثُ مُضَعَّفَةٌ نَذْكُرُ مِنْهَا شَيْئًا لِلِاسْتِشْهَادِ وَالتَّقْوِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ: سَأَلْت عَاصِمًا الْأَحْوَلَ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَتَرَاهُ أَشَدَّ رُطُوبَةً مِنْ الْمَاءِ؟ قُلْت: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت: عَمَّنْ رَحِمَك اللَّهُ؟ قَالَ عَنْ أَنَسٍ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ. وَقَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيَّ. وَقَدْ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ بِالْمَنَاكِيرِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ.
وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ» وَأَعَلَّهُ بِأَبِي مَيْسَرَةَ قَالَ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَرَفْعُهُ بَاطِلٌ. وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵁ مِنْ قَوْلِهِ قُلْنَا كَفَى ثُبُوتُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الضَّعِيفِ فِيهِ مَعَ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[فُرُوعٌ] صَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَاخْتَلَفُوا فَقِيلَ: الْأَفْضَلُ وَصْلُهَا بِيَوْمِ الْفِطْرِ، وَقِيلَ: بَلْ تَفْرِيقُهَا فِي الشَّهْرِ. وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْفَصْلُ بِيَوْمِ الْفِطْرِ فَلَمْ يَلْزَمْ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى اعْتِقَادِ لُزُومِهَا مِنْ الْعَوَامّ لِكَثْرَةِ الْمُدَاوَمَةِ، وَلِذَا سَمِعْنَا مَنْ يَقُولُ يَوْمَ الْفِطْرِ: نَحْنُ إلَى الْآنَ لَمْ يَأْتِ عِيدُنَا أَوْ نَحْوَهُ، فَأَمَّا عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ، وَيُكْرَهُ صَوْمُ يَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَ أَيَّامٍ نُهِينَا عَنْ تَعْظِيمِهَا، فَإِنْ وَافَقَ يَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute