(وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ لِلصَّائِمِ) لِقَوْلِهِ ﷺ «خَيْرُ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» مِنْ خَيْرِ فَصْلٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكْرَهُ بِالْعَشِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْأَثَرِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ الْخُلُوفُ فَشَابَهُ دَمَ الشَّهِيدِ.
فَيَأْخُذُ مَا فَضَلَ عَنْ الْقُبْضَةِ " فَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ إنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى النَّسْخِ كَمَا هُوَ أَصْلُنَا فِي عَمَلِ الرَّاوِي عَلَى خِلَافِ مَرْوِيِّهِ مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ الرَّاوِي.
وَعَنْ النَّبِيِّ ﷺ يُحْمَلُ الْإِعْفَاءُ عَلَى إعْفَائِهَا مِنْ أَنْ يَأْخُذَ غَالِبَهَا أَوْ كُلَّهَا، كَمَا هُوَ فِعْلُ مَجُوسِ الْأَعَاجِمِ مِنْ حَلْقِ لِحَاهُمْ كَمَا يُشَاهَدُ فِي الْهُنُودِ وَبَعْضِ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَيُؤَيِّدُ إرَادَةَ هَذَا مَا فِي مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﵊: «جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ» فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ. وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْهَا وَهِيَ دُونَ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمَغَارِبَةِ وَمُخَنَّثَةُ الرِّجَالِ فَلَمْ يُبِحْهُ أَحَدٌ
(قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ) يَعْنِي لِلصَّائِمِ سَوَاءً كَانَتْ رُطُوبَتُهُ بِالْمَاءِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ بِكَوْنِهِ أَخْضَرَ بَعْدُ. (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُكْرَهُ) اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ وَالْمَعْنَى، فَالْحَدِيثُ مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُ ﵊ «إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ، فَإِنَّ الصَّائِمَ إذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيِّ مَوْقُوفًا عَلَى عَلِيٍّ ﵁، وَفِي الطَّرِيقَيْنِ كَيْسَانُ أَبُو عُمَرَ الْقَصَّابُ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ كَيْسَانَ أَبِي عُمَرَ فَقَالَ: ضَعِيف الْحَدِيثِ، ذَكَرَهُ فِي الْمِيزَانِ وَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا فِيهِ.
وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ: إزَالَةُ الْخَلُوفِ الْمَحْمُودِ إلَخْ.
وَلَنَا قَوْلُهُ ﵊ «مِنْ خَيْرِ خِلَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ» أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَفِيهِ مُجَالِدٌ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ، وَلَنَا أَيْضًا عُمُومُ قَوْلُهُ ﵊ «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عَنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ» إذْ يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كُلِّ صَلَاةٍ: الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ لِلصَّائِمِ وَالْمُفْطِرِ، وَفِي رِوَايَةِ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَصَحِيحِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ، وَعَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ «عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ» فَيَعُمُّ وُضُوءُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ.
وَلَنَا أَيْضًا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْهُ ﵊ «صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ» فَهَذِهِ النَّكِرَةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْإِثْبَاتِ تَعُمُّ لِوَصْفِهَا بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَيَصْدُقُ عَلَى عَصْرِ الصَّائِمِ إذَا اسْتَاكَ فِيهِ أَنَّهَا صَلَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ، كَمَا يَصْدُقُ عَلَى عَصْرِ الْمُفْطِرِ، فَهَذِهِ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَقُومُ حُجَّةً، أَمَّا الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ مَعَ شُذُوذِهِ ضَعِيفٌ، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَرَاهَةَ الِاسْتِيَاكِ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ السِّوَاكَ يُزِيلُ الْخَلُوفَ، وَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ إنَّمَا يُزِيلُ أَثَرُهُ الظَّاهِرُ عَلَى السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute