الصَّوْمِ فِيهِ، وَلَا بَأْسَ بِالِاكْتِحَالِ لِلرِّجَالِ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّدَاوِي دُونَ الزِّينَةِ، وَيُسْتَحْسَنُ دَهْنُ الشَّارِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الْخِضَابِ، وَلَا يُفْعَلُ لِتَطْوِيلِ اللِّحْيَةِ إذَا كَانَتْ بِقَدْرِ الْمَسْنُونِ وَهُوَ الْقُبْضَةُ.
كَلَامَيْهِمَا إذْ الصِّدْقُ لَا يَنْفِي سَائِرَ وُجُوهِ الضَّعْفِ (قَوْلُهُ: دُونَ الزِّينَةِ) لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ قَيَّدَ دُهْنَ الشَّارِبِ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، وَفِي الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ دَهْنُ شَعْرِ الْوَجْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الزِّينَةُ بِهِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فَقَيَّدَ بِانْتِفَاءِ هَذَا الْقَصْدِ، فَكَأَنَّهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ تَبَرُّجٌ بِالزِّينَةِ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَكْرَهُ عَشْرَ خِلَالٍ ذَكَرَ مِنْهَا التَّبَرُّجَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّهَا» وَسَنُورِدُهُ بِتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ.
وَمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ «أَبِي قَتَادَةَ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنَّ لِي جَمَّةً أَفَأُرَجِّلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْرِمْهَا» فَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رُبَّمَا دَهَنَهَا فِي الْيَوْمِ مَرَّتَيْنِ مِنْ أَجْلِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «نَعَمْ، وَأَكْرِمْهَا» فَإِنَّمَا هُوَ مُبَالَغَةٌ مِنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي قَصْدِ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَا لِحَظِّ النَّفْسِ الطَّالِبَةِ لِلزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَامَ وَالْجَمَالَ الْمَطْلُوبَ يَتَحَقَّقُ مَعَ دُونِ هَذَا الْمِقْدَارِ، وَفِي سُنَنِ النَّسَائِيّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُقَالُ لَهُ عُبَيْدٌ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْإِرْفَاهِ» فَسُئِلَ ابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ الْإِرْفَاهِ قَالَ: التَّرْجِيلُ، وَالْمُرَادُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّرْجِيلُ الزَّائِدُ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى حَدِّ الزِّينَةِ لَا مَا كَانَ لِقَصْدِ دَفْعِ أَذَى الشَّعْرِ وَالشُّعْثِ، هَذَا وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ قَصْدِ الْجَمَالِ، وَقَصْدِ الزِّينَةِ، فَالْقَصْدُ الْأَوَّلُ لِدَفْعِ الشَّيْنِ وَإِقَامَةِ مَا بِهِ الْوَقَارُ وَإِظْهَارُ النِّعْمَةِ شُكْرًا لَا فَخْرًا، وَهُوَ أَثَرُ أَدَبِ النَّفْسِ وَشَهَامَتِهَا، وَالثَّانِي أَثَرُ ضَعْفِهَا، وَقَالُوا: بِالْخِضَابِ وَرَدَتْ السُّنَّةُ، وَلَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ الزِّينَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إنْ حَصَلَتْ زِينَةٌ فَقَدْ حَصَلَتْ فِي ضِمْنِ قَصْدِهِ مَطْلُوبٌ فَلَا يَضُرُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مُلْتَفِتًا إلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقَدْرُ الْمَسْنُونُ فِي اللِّحْيَةِ (الْقُبْضَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ هَكَذَا عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا» أَوْرَدَهُ أَبُو عِيسَى يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي جَامِعِهِ، رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ.
فَإِنْ قُلْتَ: يُعَارِضُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنْهُ ﵊ «أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحْيَةَ» فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْفَاضِلَ عَنْ الْقُبْضَةِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ: أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ " أَنَّهُ كَانَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ ثُمَّ يَقُصُّ مَا تَحْتَ الْقُبْضَةِ " وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سَالِمٍ الْمُقَنَّعِ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ ﵁ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَيَقْطَعُ مَا زَادَ عَلَى الْكَفِّ وَقَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ ﵁ إذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ " وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَيْضًا أَسْنَدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَيُّوبَ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ " كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute